جرف سيل الثورة التكنولوجية والصناعية المشاعر الأوروبية وحذفها خلف أكوام العلوم والتقنية، منكمشة بصرامة التنظيمات والقوانين وخاضعة للعقلانية العالية، حيث يقول الفيلسوف الفرنسي «ميشيل لكروا» في كتابه «عبادة المشاعر»: إن الحالة النفسية لسنوات الخمسينات والستينات من القرن الماضي كانت ترى في المشاعر خللاً في السلوك وفعلاً ضائعاً وإعاقة إلا أنه أصبح من الضروري الآن العودة للمشاعر لامتصاص شيء من سم العقلانية، وتخفيف الضغط العلمي، وإحداث نوع من التوازن، ومثلما تعد المشاعر ثروة هي أيضاً خطر إن هي تحولت عن مسارها الصحيح، كما يحدث عندما تكون فاعلة في مجتمع استهلاكي. فالمجتمعات الاستهلاكية تتّصف بكونه عاطفية، إلا أن إظهار المشاعر -مشاعر المجتمع- وعيشها بشكل سليم يُسهِم فيه عادة ما تقدمه الثقافة مثل السينما والعروض الفنية والموسيقى والأنشطة الثقافية العامة، ولعل من المبهج أنه أُنشئت هيئة ووزارة تعنيان بالثقافة والترفيه، وهذا من شأنه سيخفف من انغماس المشاعر ووقوعها في الاستهلاكية، وربط الإحساس بالماديات فقط، ولا شك مجتمعنا قادر على تحقيق التوازن المرجو. وقد حان الوقت أن نسعى لنيل ما ناله غيرنا من الشعوب المتقدمة، من التقدم العلمي والعملي، ودفع المجتمع إلى الإنتاجية والعمل، ونفض مفاهيم كالرعوية والأبوية من اقتصادنا، وإحياء الفنون والثقافة، نحن في نهضتنا هذه يتعين علينا أن نكون عقلانيين كذلك، بعد أن كنا غارقين عاطفياً، وتقودنا مشاعرنا، وتتورط عواطفنا مع كل قرار وحركة يؤثران في تنمية مجتمعنا وسير حياتنا. صحيح ما برحت المشاعر تدافع عن بقائها وتسيدها إلا أن الوقت كفيل بتهذيبها وتشذيب أطرافها من خلال التغيير، ورسم مسار واضح للتجديد والتطوير في حياة المجتمع وأفراده. يقول الكاتب: إنه حينما تنهار أيديولوجيات، وتكون الرؤى المستقبلية ضبابية فإن اللجوء إلى الحياة العاطفية يعد علاجاً للارتباك، إلا إذا كان هناك مشروع ضخم بإمكانه أن يحرك أفراد المجتمع، وهذا ما حدث بالفعل في المجتمع السعودي؛ انهيار أيديولوجيات معتمة عاثت فساداً لعقود إلا أن مشروعاً ضخماً نهض برؤية مستقبلية واضحة وجادة، وهذا يعني أن ما قام به أو أحدثه سمو ولي العهد عميق جداً ومنظم ومبني على أرض صلبة من الأفكار والخطط. فقد تكون لنا تجربة أفضل من التجربة الفرنسية بتحقيق التوازن الأمثل دون الحاجة إلى حالة من التناوب والتذبذب ما بين العقلانية والعاطفية وعودة للمشاعر وعودة أخرى إلى غيابها. Your browser does not support the video tag.