القصف والجوع والشتاء.. ثلاثية الموت على غزة    مغادرة الطائرة الإغاثية ال24 إلى بيروت    خادم الحرمين الشريفين يدعو إلى إقامة صلاة الاستسقاء الخميس المقبل    «التعليم»: 7 % من الطلاب حققوا أداء عالياً في الاختبارات الوطنية    وزير المالية : التضخم في المملكة تحت السيطرة رغم ارتفاعه عالميًا    بدء التسجيل لحجز موقع في المتنزه البري بالمنطقة الشرقية    محافظ الطائف يرأس إجتماعآ لمناقشة خدمات الأوقاف    أمير منطقة تبوك يستقبل الرئيس التنفيذي لشركة المياه الوطنية    «السلمان» يستقبل قائد العمليات المشتركة بدولة الإمارات    مناقشة معوقات مشروع الصرف الصحي وخطر الأودية في صبيا    اكتمل العقد    دوري يلو: التعادل السلبي يطغى على لقاء نيوم والباطن    11 ورقة عمل في اليوم الثاني لمؤتمر الابتكار    حملة على الباعة المخالفين بالدمام    تكريم المشاركين بمبادرة المانجروف    «الخريجي» يشارك في المؤتمر العاشر لتحالف الحضارات في لشبونة    بلاك هات تنطلق في ملهم بمشاركة 59 رئيس قطاع أمن السيبراني    استقبل مدير عام هيئة الهلال الأحمر نائب الرئيس التنفيذي لتجمع نجران الصحي    خادم الحرمين الشريفين يتلقى رسالة خطية من أمير دولة الكويت    أهمية الدور المناط بالمحافظين في نقل الصورة التي يشعر بها المواطن    جمعية «الأسر المنتجة» بجازان تختتم دورة «تصوير الأعراس والمناسبات»    رئيس «اتزان»: 16 جهة مشاركة في ملتقى "التنشئة التربوية بين الواقع والمأمول" في جازان    وزير الشؤون الإسلامية: ميزانية المملكة تعكس حجم نجاحات الإصلاحات الإقتصادية التي نفذتها القيادة الرشيدة    زيارة رسمية لتعزيز التعاون بين رئاسة الإفتاء وتعليم منطقة عسير    المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة يناقش تحديات إعادة ترميم الأعضاء وتغطية الجروح    مركز صحي سهل تنومة يُقيم فعالية "الأسبوع الخليجي للسكري"    سموتريتش يدعو مجدداً إلى تهجير نصف سكان غزة    "سلمان للإغاثة" يوقع مذكرة تفاهم مع مؤسسة الأمير محمد بن فهد للتنمية الإنسانية    الخريف يبحث تعزيز التعاون المشترك في قطاعي الصناعة والتعدين مع تونس وطاجيكستان    نائب وزير الدفاع يرأس وفد المملكة في اجتماع الدورة ال 21 لمجلس الدفاع المشترك لوزراء الدفاع بدول مجلس التعاون    نوف بنت عبدالرحمن: "طموحنا كجبل طويق".. وسنأخذ المعاقين للقمة    مسؤول إسرائيلي: سنقبل ب«هدنة» في لبنان وليس إنهاء الحرب    السجن والغرامة ل 6 مواطنين.. استخدموا وروجوا أوراقاً نقدية مقلدة    هيئة الموسيقى تنظّم أسبوع الرياض الموسيقي لأول مرة في السعودية    الصحة الفلسطينية : الاحتلال يرتكب 7160 مجزرة بحق العائلات في غزة    الجدعان ل"الرياض":40% من "التوائم الملتصقة" يشتركون في الجهاز الهضمي    ترمب يستعد لإبعاد «المتحولين جنسيا» عن الجيش    حقوق المرأة في المملكة تؤكدها الشريعة الإسلامية ويحفظها النظام    تحدي NASA بجوائز 3 ملايين دولار    حرفية سعودية    استمرار انخفاض درجات الحرارة في 4 مناطق    ظهور « تاريخي» لسعود عبدالحميد في الدوري الإيطالي    «التعليم»: حظر استخدام الهواتف المحمولة بمدارس التعليم العام    الكرامة الوطنية.. استراتيجيات الرد على الإساءات    حكايات تُروى لإرث يبقى    «بنان».. جسر بين الماضي والمستقبل    ألوان الطيف    محمد بن راشد الخثلان ورسالته الأخيرة    خسارة الهلال وانتعاش الدوري    بايرن وسان جيرمان في مهمة لا تقبل القسمة على اثنين    النصر يتغلب على الغرافة بثلاثية في نخبة آسيا    وزير الخارجية يشارك في الاجتماع الرباعي بشأن السودان    الأمير محمد بن سلمان يعزّي ولي عهد الكويت في وفاة الشيخ محمد عبدالعزيز الصباح    نوافذ للحياة    زاروا المسجد النبوي ووصلوا إلى مكة المكرمة.. ضيوف برنامج خادم الحرمين يشكرون القيادة    5 حقائق من الضروري أن يعرفها الجميع عن التدخين    «مانشينيل».. أخطر شجرة في العالم    أمير منطقة تبوك يستقبل القنصل الكوري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأكراد في الجزيرة السورية.. بين الحقائق و إملاءات السياسة ( 2 / 3 )
نشر في الرياض يوم 01 - 08 - 2018

لقد منحت الجنسية السورية للمهاجرين بالإجمال دون أي اعتبار لمصلحة البلاد، وما كاد هؤلاء المهاجرون أن يستقروا حتى أخذوا يثيرون المشكلات ويعملون على فصل الجزيرة، وكان ذلك بمساعدة الفرنسيين الذين حاولوا العام 1936م أن ينظموا مضابط تتضمن طلب أهل الجزيرة نظاماً خاصاً أو حكماً لا مركزياً ليقدم هذا الطلب حال إجراء التفاوض بين الفرنسيين والوفد السوري، فنشط الوطنيون واستثاروا همم القبائل العربية وبعض القبائل الكردية وشجبوا الفكرة الانفصالية، ففشل الفرنسيون ومن معهم من الأكراد والآشوريين أمام تسعين بالمئة من السكان..ثورة سعيد بيران
لقد بدأ النزوح الكردي إلى منطقة الجزيرة في عشرينيات القرن المنصرم، وذلك على إثر اندلاع ثورة الشيخ سعيد بيران الكردي في شرق تركيا العام 1925م، والتي سرعان ما فشلت، مما دفع بأعداد كبيرة من الأكراد إلى النزوح إلى الأراضي السورية الكائنة تحت الانتداب الفرنسي في ذلك الوقت، وترتسم بعض صور ما جرى آنذاك ما جاء على سبيل الذكر في الخبر المنشور في مجلة لغة العرب العراقية في عددها 54 الصادر في تاريخ 1-12-1927م ما نصه «أرسلت الجمهورية التركية في شهر ك1 من السنة المنصرمة ثلاث طيارات مع قوة كبيرة كانت في ديار بكر للتنكيل بالأكراد التابعين للشيخ سعيد الكردي المشهور بفتكاته والساكنين في قضاءي (حيني)، فمثلت تلك القوة بأهالي القضاءين وقتلت من وجوههم وأماثلهم نحو اثني عشر ثم جالت في تلك القرى وقتلت زهاء 300 من السكان، وقبضت على كثير منهم وأفرغت نحو 80 قرية من سكانها وأحرقتها بعد أن سلبتها مواشيها وأرسلتها إلى ديار بكر فبيعت فيها.
الانتداب شجع تداخل القوميات حفظاً للتوازن وحماية لمصالحه
في تلك الأثناء هرب أخو الشيخ سعيد ومعه نحو 200 رجل وقراب 40 امرأة من عشائره. فلجؤوا إلى أراضي سورية، وكانت الطيارات في أثرهم تتعقبهم وتقذف قنابلها عليهم، ولم تزل بقية الطيارات تتقفاهم حتى رأس العين السورية فلاذوا حينئذ بحكومة سورية وانقطع تأثر الترك لهم، إذ قُبِلَت (دخالتهم) وأسكنتهم الحسكة»، وبهذه الصورة استمرت الهجرات إلى هذه المنطقة من الحدود التركية إلى الجانب السوري ليتوزع الأكراد في قرى ومدن ناشئة على طول الحدود التركية السورية، وقد ساعدهم الفرنسيون على التمدد نحو الجنوب واستيطانهم في كثير من المساحات الشاسعة، كما يؤكد على ذلك القيادي الكردي حميد درويش حيث يقول: «أما في ظل الانتداب الفرنسي على سورية حيث خفت وطأة النزاعات القبلية وضعفت هيمنتها خاصة قبيلة شمر... وقد هيأ هذا الوضع الجديد في ظل الانتداب الفرنسي أمام المواطنين الأكراد كما أمام غيرهم لأن يتوسعوا نحو الجنوب ويشيدوا قرى جديدة»، (عبدالحميد درويش، محاضرة في مركز الدراسات الحضارية بدمشق، أكتوبر 2000م).
الهجرة الكردية
كانت سياسة الحكومة التركية بعد فشل ثورة الشيخ سعيد بيران، وما أدت إليه من قمع وتشريد وتهجير آلاف الأكراد، الذين باتوا يبحثون عن الطمأنينة ووجدوها في سورية التي احتضنتهم.
ودفعت حملة كمال أتاتورك لقمع انتفاضة الأكراد في تركيا إلى نزوح الآلاف منهم نحو مناطق النفوذ الفرنسي في سورية، خصوصاً المناطق الحدودية في الجزيرة (الحسكة)، وأصبحت سورية ملجأً للأكراد الفارين من القمع كما يقول الزعيم الكردي عبد الرحمن قاسملو (كردستان والكرد، دراسة سياسية اقتصادية)، ويقدّر ديفيد ماكدول أعداد الأكراد القبليين الذين عبروا الحدود في فترة تهدئة القبائل بين عامي 1925-1928م هرباً من القوات المسلحة التركية بنحو 25 ألف نسمة، (ديفيد ماكدول، تاريخ الأكراد الحديث).
وكان التدفق الأكبر من المهاجرين خلال العشرينات من القرن المنصرم هرباً من القمع التركي كما يشير ماكدول، ومنها عشيرة الهفيركان الذين استوطنوا الجزيرة السورية - منطقة قبور البيض (القحطانية)- العام 1927م بقيادة حاجو آغا (أهم قادة الانفصال) بعد موافقة الفرنسيين، والذي تحوّل خلال بضع سنين إلى أحد كبار الملاك في الجزيرة، التي وصلها خالي الوفاض وفق تسجيلات برونستن، (مارتن برونسين - الآغا والشيخ والدولة).
تداخل القوميات
مع نزوح السريان والآشور إلى مناطق الجزيرة قادمين من طور عابدين وآزح وسهول الموصل وغيرها من المناطق التي تعرضوا فيها للذبح والتشريد، فقد قامت حكومة الانتداب الفرنسي بإسكانهم في الجزيرة السورية، وقد قامت بترحيل بعض العشائر العربية من منطقة نهر الخابور إلى مناطق نائية في جنوب الجزيرة وجاءت بالآشوريين مكانهم، وعلى هذا النحو كان الفرنسيون يشجعون تداخل القوميات لحفظ التوازن بما يخدم مصالحهم أو لإشغال المنطقة بصراع قومي عندما يتهدد أمنهم.
حماية الأقليات
حماية الأقليات كانت عنواناً عريضاً يخفي وراءه مطامع في النفط ولا شيء سواه، المستشرق الفرنسي لوي ماسينيون كان قد أشار في محاضرة ألقاها في مارس 1939م إلى ذلك قائلاً «الحقيقة التي يجب أن نجاهر بها هو أن ادعاء فرنسا حماية الأقليات في الجزيرة هو واسطة لا غاية، أما الغاية فهي قضية امتلاك بترول الجزيرة وهذا ما لا تريد فرنسا المجاهرة به».
في أوائل يوليو 1939م أرسل دالادييه إلى وزير خارجيته بونيه بعض التعليمات التي تنسف المعاهدة السورية - الفرنسية وكان من أبرز التعليمات «اعتبار القوميين العرب في المشرق قوة معادية يجب إضعافها وإقصاؤها من العملية السياسية، وإنه يجب إعادة العمل بنظام (الأنظمة الخاصة) في جبل الدروز والمنطقة العلوية والجزيرة بالإضافة لإقامة قواعد عسكرية دائمة في تلك المناطق».
وكانت سياسة الفرنسيين ذاتها منقسمة اتجاه الجزيرة، فسياسة المفوضية الفرنسية المرتبطة بالسياسة الخارجية الفرنسية كانت تسير باتجاه تنفيذ معاهدة الانتداب على كامل أجزاء سورية، في حين كانت الاستخبارات الفرنسية العاملة في الجزيرة تسعى باتجاه دفع الأقليات للمطالبة بالحكم الذاتي، وجاء ذلك رداً على رفض (الجربا) مقترحاً فرنسياً بمنحه إمارة الجزيرة السورية أسوة بجبل الدروز والمنطقة العلوية، حيث أكد على وحدة الأراضي السورية وعدم السماح بتقسيمها.
إحصاء 1962م
ازدادت وتيرة الهجرة باتجاه الجزيرة السورية بشكل ملحوظ (والتي كانت قد بدأت فعلياً مع سيطرة الفرنسيين على الجزيرة)، ولم تنقطع الهجرة برحيل الفرنسيين، بل بقيت الجزيرة جاذبة للسكان ومشجعة لهم بما تملكه من مساحات زراعية ومياه وفيرة في الأنهار التي كانت تغطي مساحات شاسعة من الجزيرة.
بتاريخ 23 أغسطس 1962م أصدر الرئيس ناظم القدسي المرسوم رقم 93، والذي ينص على إجراء إحصاء سكاني عام في محافظة الحسكة، وقد اعتمدت عملية الإحصاء مؤشراً أساسياً في تثبيت الجنسية، حيث تم اعتبار كل من كان مسجلاً في قيود الأحوال المدنية قبل العام 1945م، ومقيماً في سورية منذ ذلك الوقت وحتى إجراء الإحصاء، سورياً. لكن وزارة الداخلية أمهلت كل شخص مسجل في سجل الأحوال المدنية مدة شهر من تاريخ صدور هذا القرار ليستحصل على صورة عن قيده وقيد أسرته لإبرازها إلى موظفي الإحصاء المزمع إجراؤه في المحافظة كي يتم تثبيت تجنيسه.
وما كان استصدار القانون في تلك المرحلة إلا نتيجة لتفاقم موجة الهجرة من تركيا إلى سورية، خاصة بعد إصدار قانون الإصلاح الزراعي في سورية رقم 61 لسنة 1958م الذي كان يوزع الأراضي على الفلاحين الأكراد والعرب دون النظر لقوميتهم ودون أدنى تمييز، بعد الاستيلاء على أراضٍ شاسعة من الملاكين العرب (الإقطاعيين) وتوزيعها على الفلاحين، وكان المستفيد الأكبر من هذا القانون الأكراد والأقليات الأخرى التي لم تكن تملك أراضي في المنطقة، وقد تم استغلال بعض ضعفاء النفوس من دوائر الأحوال المدنية في الحسكة لاستصدار شهادات ميلاد لإثبات هوية سورية لبعض المهاجرين الأكراد من الأراضي التركية، فتم استصدار ذلك القانون لوقف التدفق البشري على المنطقة.
منح الجنسية
وفي العام 2011 م تزامناً مع انطلاق الثورة السورية، وتزايد الضغط الشعبي على النظام السوري، قام بمحاولة اللعب على وتر الأقليات واستمالة الأكراد، من خلال إصداره المرسوم التشريعي رقم 49 في 7 أبريل 2011م والقاضي بمنح الجنسية العربية السورية للمسجلين في سجلات أجانب محافظة الحسكة أي «الأكراد المحرومين من الجنسية». وفتح المجال لمن هم خارج القطر أيضاً بالحصول على الجنسية، وقد بلغ عدد المسجلين الذين حصلوا لاحقاً على الجنسية حوالي مئة ألف شخص، الأمر الذي يظهر بوضوح المبالغات في الأرقام التي يستخدمها الساسة الأكراد لأجندات سياسية، حيث كانوا يقولون إن عدد الأكراد المحرومين من الجنسية نصف مليون أو يزيد.
وكان العميد حسن جلالي معاون وزير الخارجية السوري قد صرّح في مارس 2012م لوكالة الأنباء السورية الرسمية أن عدد الذين تقدموا بطلبات الحصول على الجنسية قد وصل إلى 105.631 طلباً.
الأكراد أقلية
تزعم الأحزاب الكردية أن الأكراد يشكلون أغلبية في مناطق وجودهم، مدعية أن منطقة الجزيرة هي مناطق ذات أغلبية كردية أو مناطق كردستانية، والتي يتم على أساسها بناء مطالب ذات طبيعة سياسة قومية في سورية، لدرجة أن بعض وسائل الإعلام بدأت تكرر هذا الادعاء وتتداوله في نشرات أخبارها وتقاريرها دون أدنى مبرر، بل معتمدة على تصريحات الأحزاب الكردية، دون الالتفات لآراء العرب في محافظة الحسكة.
لا يشكل الأكراد وفق ما تقدم أكثر من 26 % من سكان محافظة الحسكة، إلا أن هذه النسبة اليوم قد تراجعت بسبب عامل الهجرة الكبيرة للأكراد من الجزيرة هرباً من الزج بهم في حروب حزب العمال الكردستاني الذي سلمه النظام جزءاً كبيراً من المناطق والبلدات، فهناك من يعتقد أن الأكراد اليوم أصبحوا أقل من 15 % من سكان المحافظة.
لا شك أن الخطاب القومي الكردي يميل إلى تضخيم عدد الأكراد في سورية، ويشكل لديهم هاجساً وظاهرة سمتها الأساسية المبالغة بالأعداد بشكل مضطرب، فيمكننا أن نسمع تصريحاً لسياسي كردي يقول إن عدد الأكراد في سورية مليوناً ونصف المليون نسمة وآخر سيقول ثلاثة ملايين بينما ستسمع من يقول إن عددهم 6 ملايين!.
في حين أن الدراسات الموضوعية، ومنها دراسة غسان سلامة عن «الدولة والمجتمع في المشرق العربي» قدرت عددهم ب 850 ألف شخص، وكذلك تقديرات جوناثان راندل في كتابه «أمة في شقاق: دروب كردستان كما سلكتها» والذي يبدي فيه حماسة كبيرة للأكراد وقضاياهم نرى أنه يذكر أن عدد الأكراد السوريين يقارب المليون.
تغيير أسماء المدن
جانب آخر من جوانب هذه الحرب على تاريخ سورية يتمثل في محاولة بائسة فاشلة لتزوير التاريخ، ومحاولة اختلاق أسماء جديدة للقرى والمدن السورية، ويبدو أنه المنافس الأشد ضراوة لداعش في مسألة تزوير أسماء القرى والمدن السورية هو حزب العمال الكردستاني الذي يعمل في سورية وفق عدة مسميات كان آخرها (قوات سورية الديمقراطية).
فأطلقوا تسمية (روج آفا)، وتعني بالكردية (غرب كردستان) كناية عن منطقة الجزيرة السورية وفق المخيّل الكردي.
ومع دخول قوات سورية الديمقراطية المدعومة عسكرياً ولوجستياً من النظام السوري وأميركا كانت تقوم بتنصيب لوحة على مدخل كل بلدة وتبديل اسمها عبر اتخاذ ترجمة كردية لها تارةً أو اختلاق اسم جديد تارة أخرى.
وذلك من خلال محاولة تكريد مدن تاريخية وضعت اسمها وبصمتها في التاريخ، وتستند الأحزاب الكردية في معظم ادعاءاتهم إلى استخدامات شعبية كردية حديثة فأخذها بعض الساسة والمثقفين القوميين على أنها أسماء كردية أصيلة تم تعريبها، وعلى سبيل المثال، مدينة (رأس العين) التي عرفت بهذا الاسم القديم منذ صدر الإسلام وقبله، قاموا بترجمتها ترجمة حرفية إلى الكردية (سري كانيه) وادعاء أن هذا اسمها دون أي دليل قديم أو حديث!، فيكفي مراجعة أي من أمهات المخطوطات والمراجع التاريخية ليتبين لهم الحقيقة (كمعجم البلدان للحموي، فتوح الشام للواقدي، وصورة الأرض لابن حوقل، وتاريخ ابن كثير والمقدسي والقزويني وغيرهم) والتي تتحدث بأسهاب عن رأس العين التي عرفت بهذا الاسم منذ الفتوحات الإسلامية على أقل تقدير.
ولم يقتصر التزوير على المدن التاريخية والحضارات القديمة، بل تعداها ليشمل مدناً حديثة كمدينة (القامشلي) التي أنشئت العام 1928 م، ودونت في محاضر الأرشيف الفرنسي جميعها باسم (القامشلية) كما تلفظ عند العشائر العربية، فبدؤوا يحرفون اسمها إلى قامشلو بتكلف واضح على الحرف العربي!.
وقد سكنت هذه المنطقة قديماً قبائل طيء المنتشرة في تلك المنطقة بكثافة منذ عصور ما قبل الإسلام (الموسوعة الحرة - المناطق التي ينتشر فيها الاكراد)، ثم جاءها مجموعة من المهاجرين الأكراد من تركيا والمسيحيين الذين نزحوا من مدينة ماردين التركية بعد أحداث سفر برلك، أو مذابح سيفو التي راح ضحيتها عشرات الآلاف من الأرمن والسريان والآشور على يد الجيش التركي والقبائل الكردية.
وأيضاً هناك ادعاءات كردية تقول إن حزب البعث غير اسم (كوباني) إلى (عين العرب) وأن حافظ الأسد هو من سماها كذلك، فهذه لا أساس لها من الصحة، ولا تستند لوثائق.
فقد تسمى القضاء بهذا الاسم أيام الانتداب الفرنسي حيث قام المجلس النيابي بإقرار قانون نشره الرئيس هاشم الأتاسي في 4 كانون الثاني سنة 1937م جاء في مادته الأولى: «أن يؤسس في محافظة حلب قضاء يطلق عليه قضاء عين العرب» قبل أن يكون هناك شيء اسمه (حزب البعث) الذي تأسس العام (1947م).
ف (كوباني) لفظة محلية مأخوذة عن «كومباني» دلالة على الشركة الألمانية للسكك الحديدية التي كانت تعمل في المنطقة بداية القرن العشرين، ناهيك عن أن منطقة (عين العرب) تشهد تنوعاً سكانياً ظاهراً، وحالياً ثلثا مساحة عين العرب مدينة وريفاً بطابع عربي، وثلثا السكان عرب، وهناك الأرمن الذين كانوا أول من قطن البلدة وافتتح فيها المحال التجارية عند تأسيسها زمن الفرنسيين.
كما تم تغيير اسم مدينة (تل أبيض) التابعة لمحافظة الرقة إلى اسم (كري سبي)!، والتي تبلغ نسبة العرب فيها أكثر من 80 ٪، بينما نسبة الأكراد في المدينة لا يتجاوز 5 ٪، وما تبقى من عدد السكان تركمان. كذلك جرى تغيير أسماء الكثير من البلدات والقرى العربية التي يسيطرون عليها.
كذلك قاموا بتحريف اسم مدينة (منبج)، فنشرت القناة الناطقة باسم العمال الكردستاني في سورية (روناهي) تقريراً قالت من خلاله إن منبج (مسقط رأس البحتري) أصلها كردية تعود لعهد أجدادهم الحثيين (ولا أعرف ما العلاقة بين الحثيين والأكراد؟)، وإن اسمها الكردي (مابوك) وتعني العروس الخالدة.
حاضنة لداعش!
مع هزيمة داعش قامت قوات سورية الديمقراطية بتهجير الكثير من العرب السنة من بعض البلدات والقرى العربية في منطقة الجزيرة ومن مدينة تل أبيض، مهددة إياهم بالاعتقال في حال عدم الامتثال لأوامرها، ووصفتهم ب «حاضنة داعش» بغية فرض واقع ديموغرافي جديد، يجعل من الكرد أكثرية في مناطق سيطرتهم، مستغلين ما يتعرض له الشعب السوري من أهوال ومصائب وتشتت، والذي يتم قصفه من النظام وشبيحته وميليشياته يومياً، سعياً لتمرير مشروع بعيداً عن تطلعات السوريين، الأمر الذي دفع العرب ومكونات أخرى إلى تكثيف كتاباتهم لفضح ما يجري.
واتهم تقرير صادر عن المنظمة الحقوقية الدولية «وحدات الحماية الشعبية» الكردية بتدمير قرى عربية بأكملها بعد الاستيلاء عليها من تنظيم داعش، وتهجير سكانها في شمالي سورية، فيما يمكن أن يصل إلى جرائم حرب.
وقالت منظمة العفو الدولية إن باحثيها عثروا على أدلة على انتهاكات مقلقة اقترفها مقاتلو الذراع العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في قرى وبلدات عربية تحت سيطرة إدارة الحكم الذاتي الكردية في محافظات الحسكة والرقة.
وأن المسلحين الأكراد أخرجوا المدنيين من منازلهم وبدؤوا بإحراقها، ثم هدم المنازل تباعاً حتى دمروا قرى بأكملها.
وتقول المنظمة إن «وحدات الحماية الشعبية» حاولت تبرير الانتهاكات على أنها «ضرورة عسكرية» أو «من أجل سلامة السكان».
ونجد أن الاتهامات التي يسوقها العرب لحزب الاتحاد الديمقراطي ومشروعه في الإدارة الذاتية، أنه شريك فعلي للنظام السوري وأنه يتقاضى الرواتب والأموال منه، وأن كل ما يقوم به عملياً يصب في مصلحة النظام مستمدين رؤيتهم من وجود النظام حتى اللحظة في القامشلي والحسكة، وعدم وجود أية معارك بين الطرفين، بل هناك تنسيق كامل قائم على خدمة النظام، ناهيك عن اندراج الحزب في محور إيراني روسي له موقفه المعارض من الثورة السورية.
وأخيراً
إن الشعب السوري لم يكفه ما تعرض له من محاولات لإزالته بشكل ممنهج من أرضه وعلى أسس طائفية وعنصرية، في خطوة يبدو الغرض منها ليس طمس تاريخ وهوية سورية فقط، بل تهدف لمحو آثاره المادية والثقافية وتحويله لبلد محاصصات وأقليات دون هوية واضحة، مستغلين تهاون جامعة الدول العربية في هذه المسألة والذي يصل أحياناً إلى الموت السريري، وترك الباب مفتوحاً على مصراعيه لغير العرب كي يفعلوا ما يشاؤون.
قوات سورية الديمقراطية ترفع صورة أوجلان في الرقة
Your browser does not support the video tag.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.