مع بدء الثورة السورية ومع دعم النظام السوري والولايات المتحدة وروسيا للأكراد، امتدت المطالب القومية والخارطة السياسية التي يطمح إليها الأكراد إلى الشمال السوري بالكامل، متجاوزة معاهدة (سيفر) التي حددت الوجود الكردي.. نؤمن بحقوق المواطنة وبمبادئ الحرية والعدالة الاجتماعية والتغيير ونبذ الاستبداد والتسلط والظلم، كما نؤمن بالمساواة بين أطياف المجتمع السوري وحفظ هويتهم الثقافية ولغتهم بمن فيهم الأكراد، ولا ننتقص من حقوق أحد، لكن أن تصل أطماع البعض إلى التفكير بمد نفوذه على حساب وجود وحقوق الآخرين، مستغلاً حالة الضعف التي تمر بها المنطقة، واتجاه الريح الدولية التي يبدو أنها تهب لصالحه، وكذلك مدفوعاً من نظام دمشق الذي يزرع النعرات الطائفية ويغذي التحزبات العرقية بين أبناء الشعب الواحد، عندها لا بد لنا إلا أن نوضح المسألة في إطارها التاريخي رداً على بعض الادعاءات التي تريد نفي كل من ليس كردياً عن هذه المنطقة، بدعوى أنها منطقة كردية أو كردستانية.. والحديث عن مرحلة تاريخية في حقبة معينة ليس انتقاصاً من حق المواطنة الكردية، بقدر ما هو حرص على حقوق المواطنة لجميع السوريين، لا استغلال النفوذ، فهنا نستعرض الحقائق التاريخية: عروبة الجزيرة السورية تسبق حقبة ربيعة وبكر ومضر بقرون الجزيرة السورية تقع الحسكة في شمال شرقي سورية، وتبلغ مساحتها 23 ألف كلم2، ومعظم إنتاج النفط والقمح السوري منها، ويقطنها نحو مليون ومئتين وسبعين ألف نسمة فقط، يشكل العرب نحو 68 ٪ يليهم الأكراد بنسبة 26٪ وبعدهم المكون السرياني الآشوري. (المكتب المركزي للإحصاء، نشرة السكان 2004). نشأت أغلب مدن الجزيرة مع الاحتلال الفرنسي وسيطرته على الجزيرة، مع توافد هجرات كردية سريانية أرمنية من تركيا إلى الأراضي السورية الواقعة تحت السلطة الفرنسية، وكانت أولى تلك الهجرات هي الهجرات السريانية العام 1922-1923م من مناطق ماردين وطور عابدين وبعدها من سهول الموصل، ثم أعقبتها هجرات ليهود نصيبين، ثم هجرات كبيرة لعشائر كردية، بشكل خاص بعد فشل ثورة الشيخ سعيد بيران ضد الكماليين العام 1925م. هجرة الأكراد والسريان إلى سورية جرت بتشجيع فرنسي خدمة لمصالحها تعدّ الحسكة محافظة ناشئة من حيث العمران والبناء، فقد بنيت معظم مدنها وبلداتها وقراها في بدايات القرن العشرين فقط، وتحديداً فترة الاحتلال الفرنسي، الذي شجع على بناء المدن بعد ترسيم الحدود بغرض تثبيتها، ولتكون مقابلة للمدن التركية تماماً، ومركزاً تجارياً جديداً يضعف المدن التركية، فقد بنيت (المالكية) لتكون بديلاً لجزيرة ابن عمر، وبنيت (القامشلي) لتكون بديلاً لنصيبين، و(الحسكة) لتكون بديلاً لماردين، وأصبحت هذه المدن منذ نشوئها مركزاً لاستقطاب آلاف اللاجئين الفارين من نيران الجيش الكمالي، بعد أن أصبحت هناك حدود بين البلدين ووجود سلطة فرنسية في سورية تستطيع حماية من يلجأ إليها، وكان ذلك يتم ضمن سياسة فرنسية إثنية اتبعتها في سورية لضمان بقائها. تاريخ الجزيرة السورية ينفي وجود مناطق كردية في الماضي أو الحاضر، والعودة للوثائق الفرنسية وبمراجعة أسماء جميع المدن التي أنشأها الفرنسيون على الحدود مع تركيا لن تجد أي منها يحمل اسماً كردياً. الوجود العربي في الجزيرة لا شك أن سكنى القبائل العربية في الجزيرة السورية لا يقتصر على تاريخ ربيعة وبكر ومضر والتي كانت قبل الإسلام، بل يعود إلى عدة قرون قبل ظهور الإسلام، وتدل أسماء المواضع قبل ذلك التاريخ لقدم العرب في المنطقة، كموضع باعربايا أو بيث عربايا (روفائيل أبو اسحق - مدارس العراق قبل الإسلام) في المصادر السريانية، وهو اسم لثلاثة مناطق يسكنها العرب وأخصها مدينة نصيبين (النصرانية و آدابها – شيخو)، وأطلقت المراجع الفارسية اسم (عربستان) أي بلاد العرب على منطقة نصيبين ومحيطها، وأطلق كذلك الجغرافي المعروف سترابو (25ميلادي) اسم بلاد العرب على مناطق الجزيرة. وقد أقامت القبائل العربية آنذاك إمارات مستقلة في الجزيرة، ومنها إمارة الحضر والتي حكمتها سلالة عربية لمدة ثلاثة قرون متواصلة، وحكمها أمير عربي اسمه (سنطروق)، ورد ذكره في نقوش اكتشفت هناك، نصت على أن أباه يدعى نصراً وأن لقبه (ملك العرب) (الحضر - سليمان الصايغ) ويذكر الطبري أن حكام هذه الدولة كانوا من قبائل قضاعة (تاريخ الرسل والملوك ج2 ص 47-48). رسالة عمر (رضي الله عنه) قسم الجغرافيون والبلدانيون العرب الجزيرة السورية إلى ثلاثة أقسام، تحمل أسماء القبائل العربية التي هاجرت إليها قبل الإسلام، واستقرت فيها وفرضت السيطرة عليها، فكانت هناك ديار بكر وديار ربيعة وديار مضر. وهذه الأسماء والتقسيمات بدأت تظهر عند الجغرافيين والبلدانيين العرب في القرن الثالث والرابع الميلادي، ونجد أنها معروفة في صدارة الإسلام وأنها كانت متداولة في ذلك الزمان بشكل واسع، فقد جاء في نص الرسالة التي أرسلها الخليفة الراشد الفاروق عمر بن الخطاب لقائد جيوشه في الشام أبو عبيدة بن الجراح - رضي الله عنهما - بعد العزم على فتح إقليم الجزيرة ما نصه: (فإذا قرأت كتابي هذا فاعقد عقداً لعياض بن غنم الأشعري وجهز معه جيشاً إلى أرض ربيعة وديار بكر .....)(فتوح الشام: الواقدي ج2 ص 64). وحالياً تم ضم نصيبين وماردين والقسم الشمالي من الجزيرة (ديار بكر) إلى أراضي الدولة التركية بعد الحرب العالمية الثانية، بموجب اتفاقية أنقرة العام 1921م بين فرنساوتركيا، مقابل اعتراف تركيا بالانتداب الفرنسي على سورية. ويلاحظ تسمية أقاليم الجزيرة بأسماء القبائل العربية المسيطرة عليها، والتي لولا استقرارها المبكر مع وفرة أعدادها وغلبتها وتأثيرها الثقافي والاجتماعي لما استطاعت أن تحظى بهذه المكانة والأهمية، بحيث تتم تسمية الأقاليم على اسمها، وما زالت مدينة ديار بكر شاهدة حتى يومنا هذا على تلك التسمية. أقلية مهاجرة الأكراد هم أقلية لا تتجاوز نسبتهم 26 % في أحسن حالاتها في محافظة الحسكة، وتاريخ قدومهم واستقرارهم فيها حديث توثقه الكثير من الوثائق، وتحدث عن ذلك وزير المعارف السوري العلامة محمد كرد علي الذي زار الجزيرة العام 1933م وأعد تقريراً عن أوضاعها، وذكر الأقليات المهاجرة آنذاك، واقترح أيضاً نقلهم من الحدود نحو داخل سورية لتسهيل الاندماج بالمجتمع، علماً أن محمد كرد علي ينحدر من أسرة كردية. وقد رفع تقريره إلى رئيس الجمهورية، ومما أشار إليه محمد كرد علي في تقريره المنشور في كتابه (المذكرات، الجزء الثاني)، هو تجمع اللاجئين القادمين من تركيا على الحدود وقال إن «جمهرتهم من الأكراد»، وكان قد اقترح إبعادهم عن الحدود ومنحهم أراضي في جنوب ووسط البلاد وعدم إبقائهم متجمعين في منطقة واحدة على الحدود، كما أطلق العديد من التحذيرات في اجتماعاته مع الحكومة عن ضرورة توزيع المهاجرين على مساحات في العمق السوري وليس بجانب الأنهار فقط، والاشتراط عليهم استصلاح أراضٍ أخرى بعيدة عن الأنهار. المشكلة الكردية كاميران بدرخان، من أبرز قادة الحركة القومية والثقافية الكردية ومنظري الفكر القومي الكردي، في محاضرته بعنوان: «المشكلة الكردية» أمام الجمعية الملكية الآسيوية بلندن في 6 / 7 / 1949م قال: «إن المنطقة التي تمر بها الحدود التركية العراقية هي قلب كردستان، إذا اعتبرنا الجزء الممتد حتى بحيرة أروميا التي تسيطر عليها إيران، فيتضح جلياً المنظر العام لكردستان المقسمة بين تركياوإيرانوالعراق»، ثم يتابع إلى أن يصل في نهاية المحاضرة للقول: «استولت على الشعب الكردي ثلاث دول، لذلك انقسمت كردستان بين هذه الدول الثلاث وهي إيرانوتركياوالعراق» (البدرخانيون في جزيرة بوطان – ماليميسانز – وثائق جمعية العائلة البدرخانية). اتفاقية سيفر حتى في نطاق دراسات التوزع الديموغرافي الحالي أو في السابق لا ينطبق شيء من تسمية كردستان أو مناطق كردية في سورية، على العكس تماماً فقد تم سلخ الألوية الشمالية السورية وضمها إلى تركيا، وكانت قبل ذلك مساحة سورية ووفقاً لاتفاقية (سيفر) نحو 350.000 كلم2، لم يتبقَ منها الآن سوى 185.000 كلم2، والألوية السورية الشمالية (إسكندرون) و(ماردين) و(عينتاب) و(أورفا) كلها قامت فرنسا بالتنازل عنها لصالح تركيا العام 1923م، وفي العام 1939م كان التنازل عن الإسكندرون. اتفاقية سيفر الموقعة العام 1920م بين الحلفاء وتركيا كانت أول اتفاقية تذكر صراحة «مستقبل الأكراد» ولم يتم التطرق قبل ذلك لهم في أي اتفاقية سابقة. سنستعرض نصوص المواد المتعلقة بالأكراد والتي ذكرت كردستان في اتفاقية سيفر، وهي مرتبة كالتالي: المادة (62) الحكم الذاتي المحلي للمناطق التي تقطنها أغلبية كردية شرقي نهر الفرات وجنوب الحدود الأرمنية، وشمال الحدود التركية السورية وما بين النهرين (العراق) كما حددتها المادة 27 الفقرات (2) و (3). وسوف يتضمن المشروع ضماناً تاماً لحماية الآشوريين والكلدانيين وغيرهما من الأقليات القومية أو العرقية في هذه المنطقة. المادة (63): توافق الحكومة التركية على قبول وتنفيذ القرارات المتخذة في المادة (62)، وذلك في غضون ثلاثة أشهر. المادة (64): وإذا حدث خلال سنة من تصديق هذه الاتفاقية، أن تقدم الأكراد القاطنون في المنطقة التي حددتها المادة (62) إلى عصبة الأمم، قائلين إن غالبية سكان هذه المنطقة ينشدون الاستقلال عن تركيا، وفي حالة اعتراف عصبة الأمم أن هؤلاء السكان أكفاء للعيشة حياة مستقلة وتوصيتها بمنح هذا الاستقلال، فإن تركيا تتعهد بقبول هذه التوصية وتتخلى عن كل حق في هذه المنطقة. (للاطلاع على النص الاصلي للاتفاقية مع الخرائط http://www.hri.org/docs/) وهذا ما لم يحدث منه شيء وأخيراً فضل الحلفاء مصالحهم مع تركيا واستبدلوا الاتفاقية ب (لوزان) العام 1923م. لكن في المادة (62) نجد بأن المناطق ذات الأغلبية الكردية هي شمال الحدود السورية التي حددتها المادة (27)، فأين تقع هذه المنطقة من سورية الحالية؟. تأكيد فرنسي زارَ مندوب المفوض الفرنسي أوستروروغ المنطقة في العام 6 / 9 / 1937م على إثر الحوادث التي وقعت في الجزيرة السورية واجتمع بقادة الجزيرة المختلفين، وكان المندوب يعرف ما يمارسه عناصر الاستخبارات الفرنسية ودورهم في تأجيج الصراع وتلقين الأكراد والسريان المطالب، وكان موقفه حازماً في رفض أي مشروعات انفصالية آنذاك. وقد قال أثناء زيارته: «إن الجزيرة جزء سوري لا ينفصل عن سورية، وأن من لا يرغب في العيش تحت الراية الوطنية فليذهب إلى الأراضي التركية التي لجأ منها» في إشارة منه إلى الأكراد. حركة خويبون لم يكن هناك في أرشيف الحركة القومية الكردية أي حديث عن وجود جزء من كردستان في سورية، ويكفي مراجعة وثائق أول حركة قومية كردية وهي التي عقدت أول مؤتمر لها في بحمدون في لبنان، والتي كانت تعبر عن الحركة القومية الكردية في المنفى وتناضل من أجل كردستان وتحريره من أيادي الأتراك الكماليين، التي فهموا جغرافيتها وفق معاهدة سيفر التي انقلب عليها مصطفى كمال في معاهدة لوزان الأمر الذي أشعل ثورتهم العام 1925م، أو حتى مناطق التوزع العشائري التي حددها مارك سايكس العام 1901م ونشر خريطة لتوزع العشائر الكردية وأقرب العشائر الكردية من الرحل كانت تخيّم في محيط (ماردين) شمال الحدود السورية الحالية. وكان معظم أعضاء "خويبون" المؤسسين قد لجؤوا إلى سورية بعد ملاحقتهم في تركيا من أمثال (جلادت بدرخان، كاميران بدرخان، سليم ممدوح، حاجو آغا، أكرم جميل باشا، قدري جميل باشا، محمود ابراهيم الملي، خليل ابراهيم الملي، محمد شكرو سكبان، إحسان نوري) وكل الأسماء الواردة هم من أعضاء منظمة خويبون ومؤسسيها، وكلهم ولدوا ونشؤوا ودرسوا في الأراضي التركية الحالية، وانتقلوا للمنفى السوري بعد اندلاع ثورة الشيخ سعيد بيران العام 1925م وحصلوا على الجنسية السورية، ولم يكن لهذه المنظمة أي مطالب سياسية في سورية فضلاً عن أي حديث عن كردستان في سورية. وتقرير جمعية خويبون عن إحصاء سكان كردستان والذي نشره مركز الدراسات الكردي العام 1948م لا يشمل سوى أكراد تركياوإيرانوالعراق، حيث كانت خويبون تُخرِجُ المناطق التي يتواجد فيها أكراد في سورية (الجزيرة، عفرين، عين العرب) من حدود كردستان، ولم يعدوها يوماً أرضاً تاريخية للأكراد كما بتنا نسمع في الخطاب القومي والحزبي الكردي بعد بدء الثورة السورية العام 2011 م، كما أن الساسة الكرد كانوا لا يضعون عدد الأكراد السوريين في إجمالي عدد سكان كردستان أبداً، بل يشيرون إليهم على أنهم «أكراد خارج كردستان» (الأكراد دراسة جغرافية إثنوغرافية صفحة 518، تقرير خويبون – 1948)، حتى الخريطة التي قدمها القوميون الأكراد العام 1948م فإنها توضح أن الجزيرة لم تكن جزءاً من كردستان. مسألة كردستان قدري جميل باشا، من مؤسسي حركة خويبون، فقد تناول تلك المرحلة في كتابه «مسألة كردستان» رداً على محاولة استغلال الفرنسيين للحركة القومية الكردية بالقول: «إننا شعب مضطهد أتينا هذه البلاد كلاجئين سياسيين، وعارٌ علينا أن نساعد الغاصبين ضد شعب مضطهد مثلنا يناضل من أجل حقوقه». المفوض الفرنسي الجديد الذي كان من جماعة الاستخبارات والذي تم تعيينه في أكتوبر العام 1938م خلفاً لدومارتيل الذي كان ضد الانفصال حاول تغيير سياسة سلفه وتشجيع الانفصال، لكنه اصطدم بالرفض من السكان الأصليين العرب، وكذلك الفيتو التركي الذي رفض حكماً ذاتياً مسيحياً كردياً في الجزيرة. تشجيع الهجرة قال القائد الكردي المخضرم نور الدين زازا: «أنشأ الفرنسيون العام 1926م قضاء دجلة (المالكية)، وفتحوا فيها منذ ذلك الحين باب الحدود واسعاً لاستقبال الكرد والسريان والأرمن القادمين من تركيا، وشجعوهم للاستقرار في المنطقة واكتساب الجنسية السورية»، (نور الدين زازا، حياتي ككوردي). وأخيراً: محاولة تزوير بعض الحقائق التاريخية حول تاريخ المنطقة أو تاريخ وجودهم من قبل بعض المتعصبين، وادعاء ساستهم وبعض مثقفيهم بأنهم أقدم الشعوب التي عاشت على هذه الأرض، وأن باقي القوميات من عرب وغيرهم هم مستوطنون ووافدون على المنطقة، وبذلك لهم الحق بإقامة كيان قومي لهم على أرض الجزيرة، على اعتبار أنها جزء من وطن قومي، كل ذلك ينافي الحقائق والتاريخ، لا بل وينافي العقل والمنطق. معاهدة سيفر حددت الوجود الكردي خارج أراضي سورية Your browser does not support the video tag.