إن إدارة الكوارث يتدخل فيها أكثر من مستوى تنفيذي وإداري في الدولة؛ لذلك يجب التنسيق التام فيما بينها، حتى تتم عملية إدارة الكارثة بتناغم وبعيدًا عن التضارب، فالكارثة التي تحُل بمجتمع ما قد تصيبه بشلل تام، وبالعجز عن التعامل معها، لذلك يكون في حاجة إلى عونٍ خارجي.. وفي هذا السياق، يُمكن إيراد جملة تعريفات لا تخرج عن نطاق الأثر العميق على قُدرات المجتمع ومُقدّراته في التصدي لها؛ حيث يورد بعض العلماء تعريفًا للكارثة بأنها "تغيُّر مفاجئ حاد الأثر، يحدُث بسبب تغييرات متصلة بالقوى، يكون من نتائجها انهيار التوازن في طاقات المجتمع المتأثر بها وبنياته"، وقد عُرِّفت الكارثة أيضًا بأنها: "ذلك المُعوِّق الخطر الذي يُعطل نشاطات المجتمع، بأن يقابل مطلوبات تلك الخسائر من موارده وطاقته الذاتية فقط"، كما أن هناك شبه إجماع بين المهتمين بإدارة الكوارث على أنها "إحداث خلل في بنية المجتمع يتعدى مقدرته على ممارسة حياته الطبيعية"، ويستخدم المُصطلح عادة للإشارة إلى أحداث عامة وظروف تضع المجتمع في موقفٍ بالغ الحرج، خاصة من حيث التأقلم معها بالشكل الذي يفوق مقدرته، ما يقود - ولو مؤقتًا - إلى خلل عام في نظام المجتمع المعتاد، وكثيرًا ما يعتقدُ الناسُ أن الكارثة تقع فجأة وعلى نحوٍ دراماتيكي، غير أن الكوارث قد تكون بطيئة الحدوث، وممتدة في الزمان، وتأخذ الشكل الزاحف غير المرئي، كما هو الحال في الصراعات المسلحة أو الجفاف والمجاعات، حتى في درجة تغيُّر المُناخ، الذي أضحى يُشكل هاجسًا ليس فقط للناشطين في مجالات درء الكوارث، وإنما في أوساط صُنّاع القرار من السياسيين والمُفكرين والاستراتيجيين، ويُمكن القول إجمالًا: إن لدراسة الكوارث أهميةً خاصة، ولا سيما أن لها أبعادًا عدة؛ وذلك لما تُحدثه من تهديد لحياة الأفراد والمجتمعات. ومن هذا المنطلق، تنبع أهمية الاستعداد لمواجهة الكوارث، التي تُعنى بمنع وقوعها في المقام الأول، أو التعامل معها عند وقوعها، والحد من آثارها التدميرية التي تلحق بالمجتمع والبيئة، والإسراع في عملية إعادة الحياة إلى طبيعتها مرة أخرى، ويتم ذلك بالقيام بمختلف الأنشطة والجهود التي تهدف إلى تطوير القدرات العملية؛ للحد من آثار الكوارث، ومن ذلك: تحديد الأخطار المتوقعة وتقييمها، إنشاء نُظُم الإنذار المبكر، إعداد خُطَط المواجهة، توفير الموارد المطلوبة لعملية المواجهة، .... إلخ. إن الوقاية والتقليل من أخطار الكوارث ليسا أمرين متعلقين بالموارد المالية بقدر ما هما متعلقان بالتخطيط والاستعداد، وأحيانًا اتخاذ القرارات التي تتعلق بالاستثمار في نُظُم الوقاية. وهنا نؤكد ثقافة الحد من آثار الكوارث، حيث يجب أن تُستخدم الأدوات الصحيحة لحماية الناس، ولضمان أن المدن والمناطق الحضارية التي يُخطَّط لها ألا تكون البنية التحتية فيها - ومنها المدارس والمستشفيات - قريبة من مناطق الخطر. وكذلك الحال بالنسبة إلى المُجمعات الصناعية الضخمة، التي يجب أن تكون بعيدة عن مواقع الكوارث الطبيعية المُحتملة، وعن التجمعات السكانية، وكذلك عن استهدافها من عدوان خارجي. ويتوقف نجاح إدارة الكوارث عمومًا على مدى توافر المتطلبات الأساسية لمواجهتها وكيفية استغلالها، ومن أهمها: تَوافر القيادة الفاعلة، الدعمان المادي والمعنوي، تضافر جهود المؤسسات الحكومية وغير الحكومية كافة، تدريب الكوادر العاملة وتأهيلها، تَعاوُن الجمهور، الاستجابة السريعة لتوجيهات الجهات ذات الاختصاص، وهذا كله يجب أن يكون مبنيًّا على خُطَط وسيناريوهات مُعَدَّة مسبقًا، قائمة على معايير تنبؤية علمية سليمة. Your browser does not support the video tag.