لسنا وحدنا من يملك قضايا معلقة لا يتفق حولها الجميع، ففي الشرق والغرب ماتزال المجتمعات منقسمة حيال مسألة الإجهاض وإسقاط الجنين.. وهي قضية تكاد تكون الوحيدة التي نتفق على رفضها في مجتمعنا المحلي.. فهناك من يؤيده بحجة حق المرأة في الاختيار (وحق الأم التي حملت قصراً في التخلص من جنينها).. أما المعارضون فينظرون للأمر ك«جريمة قتل» يتعرض لها الإنسان قبل ولادته وخروجه للضوء.. معظم الشعوب الكاثوليكية (في جنوب أوروبا والفلبين وجنوب أميركا) تتبنى نظرة الفاتيكان الذي يعتبر الإجهاض جريمة في حق الإنسانية.. وفي المقابل لا تملك معظم الشعوب البروتستانتية (بالإضافة إلى الصينية واليابانية) قانوناً يمنع الإجهاض وتعتبر الأمر حقاً شخصياً للمرأة.. أنا شخصياً ضد مسألة الإجهاض مهما كان العذر والحجة (حتى حالات الاغتصاب، لا تبرر قتل جنيناً بشرياً ينبض قلبه بالحياة).. أعتقد أنه ليس أسوأ من الخطأ سوى قتل النفس، وليس أسوأ من الاعتداء على حق الأم سوى استباحة حق الطفل... أما الجانب الخفي للمشكلة فهو أن عمليات الإجهاض (بدعوى حرية القرار) تفتح أبواباً لمآسٍ كثيرة وغير متوقعة، مثل تجارة الأجنة، وبيع المشيمات، ووأد البنات.. فالأجنة المجهضة مطلوبة طبياً، كون الخلايا الجذعية فيها لم تملك بعد بصمة وراثية وبالتالي يمكن زراعتها داخل الجسم دون رفضها من الجهاز المناعي. ويتم التركيز على المشيمة بالذات كونها منجم ذهب للخلايا الجذعية (التي تنشأ منها جميع الأعضاء البشرية) وأصبحت تحفظ في بنوك متخصصة في أوروبا وأميركا، ويتم استغلالها لعلاج أمراض كثيرة بدءاً من السكري والفشل الكبدي إلى الشلل الرعاشي وضعف المناعة وخرف الشيخوخة. ولأن العرض يزيد دائماً على الطلب ظهرت عصابات تشتري الأجنة المجهضة، أو تستأجر الأمهات الفقيرات للحمل (فقط) من أجل الإجهاض.. وتضطر كثير من النساء في العالم الثالث للمشاركة في هذه التجارة المحرمة بدافع من الفقر والحاجة، وأحياناً لمجرد الرغبة في الحصول على المال كما في روسيا واليابان وأوروبا الشرقية. أيضاً هناك وأد الإناث الذي ينتشر في المناطق الريفية في الهند والصين والدول الفقيرة في جنوب شرق آسيا.. صحيح أن الهند لا تملك قانوناً للحد من الإنجاب (كالصين)، ولكن المجتمع الهندي يملك ثقافة عريقة تشجع على إنجاب الصبيان، خصوصاً في الأسر الفقيرة. فالذكر يُعد سنداً لأهله ومصدر دخل إضافي لأسرته، وحين يتزوج تقوم زوجته بخدمة والديه.. أما البنت فتعد استنزافاً لدخل الأسرة وينظر لتربيتها بمثابة سقي لحقل الجار، بل وينتظر من والديها دفع مهرها وجهازها حين تصبح في سن الزواج.. لهذا السبب تنتشر عمليات إجهاض البنات بطرق غير مباشرة في القرى والأرياف، ولهذا السبب أيضاً يمنع القانون الهندي الأطباء من تحديد جنس الجنين أثناء الحمل! .. كل هذا سينتهي حين يعترف العالم كله، ليس فقط بحقوق الطفل، بل بحقوق الجنين في العيش وعدم الإيذاء والخروج للحياة. Your browser does not support the video tag.