من بين الكثير من الشعراء الذين عرفناهم أو قرأنا عنهم قديماً أو حاضراً نجد من بينهم نماذج عدوانية بطبعها، تتلذذ بقصائد الهجاء، بل لا تجيد غير هذا اللون من الشعر ولا تعرف غيره فتجدهم يبحثون عن أي هفوة أو زلة، حتى لو كانت لا تستحق من أجل صب جام غضبهم وإظهار حنقهم وعقدهم النفسية، وإشباع رغبات خفية تظهر على شكل زفرات غضب يصبونها مثل ما تصب الحية سمها في جسد الضحية ويعرف الشعراء والمهتمون بالأدب الشعبي شعراء مفوهين اتخذوا من شعرهم وسيلة للتشفي والابتزاز أحياناً. قبل سنوات وكنت وقتها مشغولاً بالتردد على أحد مستشفيات العاصمة تفاجأت برسالة أثناء عودتي من إحدى تلك الزيارات، وقبل الدخول إلى منزلي بعثها أحد الشعراء مع أحد أبنائه تتضمن قصيدة هجاء فيها الكثير من الظلم والمغالطات وتلبسني تهمة لا أعلم عنها شيئاً برغم تجاوز شاعرها سن الثمانين عاماً يفترض أنها أكسبته تأنياً وحكمة، ولكم أن تتصوروا كيف يستطيع المرء التفاهم مع مثل هذا النموذج وبهذا السن، بعث القصيدة داخل ظرف مع أحد أبنائه وسلمها لي، وعندما قرأتها بعد فترة اكتفيت بنصف القصيدة والذي مزقته ولم أجد له مكاناً أنسب من برميل النفايات، ولعلني لم أخطئ مطلع قصيدته التي حفظت منها هذه الأبيات: يا سعود اسمع كلام من كياني من بنات الفكر بدعي واهتمامي هاجس في خاطري يرطن رطيني ويتزاحم كنه الورد الحيامي يا سعود انته علامك تشتكيني تشتكيني عمد وانت بن غيامي واسترسل في قصيدته التي امتدح فيها القبيلة حتى يأمن شر شعرائهم وهو أسلوب متبع عند الشعراء قبل وصفي بأني أصغر من اسمي وأني قد انتهكت قداسة الجيرة، بل إنه استدعى أحد أجدادي الشاعر «زيد بن غيام» الذي توفي قبل مئة عام - غفر الله له - ليبث له الشكوى ويخبره بعقوق الحفيد الذي حاد عن جادة آبائه وأجداده. كان الشاعر وهو أحد ملاك الإبل قد جاء مع إبله من مكان بعيد، ومن الذين زاحموا المزارع عند أطراف المراكز في الأسياح، وكانت إبله في مرات قليلة تقصد مزرعة لنا مجاورة وتحطم السياج وتأكل المزروعات ونكتفي بإبعادها.. وبعد مدة انتقلت ملكية المزرعة وتغير المالك وانتهت علاقتي بالمزرعة مع المالك الجديد الذي استلمها بشكل تام، ولكن لكونه من أبناء دول الخليج فاحتاج إفراغ صك الملكية إلى بعض الوقت والإجراءات الرسمية. فأوكل إدارة المزرعة إلى أحد أقاربي بينما استمرت الإبل في مزاحمة سياج المزرعة، وحصل يوماً أن حطمت السياج ودخلت المزرعة، وتكرر ذلك مما دفع الوكيل الذي لا علاقة لي به ولا بالمزرعة إلى تقديم شكوى عامة تشمل طلب إبعاد كل حظائر الإبل التي تزاحم المزارع وفقاً للمسافة التي يحددها النظام، حفظاً لمحارم القرى والمدن. كان الوقت في آخر شهر رمضان، وفي إحدى المرات التي هاجمت بها الإبل المزرعة علم وكيل المزرعة أن صاحب الإبل يعتكف في أحد المساجد، وأنه قد أهمل إبله ورعيانه بعدما نفد علف الإبل وطعام الرعيان، فذهب وأحضر لها بعض العلف وطعاماً للرعيان فيما بقيت الشكوى التي كانت شكوى عامة، ومن أكثر من مزارع وبعد انقضاء إجازة عيد الفطر أحضر صاحب الإبل ضمن الملاك الآخرين لإفهامهم حفظ حلالهم والابتعاد عن المزارع. أما القصيدة التي ظننتها بداية الأمر دعوة زواج أو مناسبة، فلم أطلع عليها إلا بعد يومين، وعندما عرفت مضمونها ذهبت للبحث عنه ولو من باب تقدير سنه حتى أبين له الحقيقة فأخبروني بأنه قد رحل، أسأل الله له العفو والمسامحة حياً أو ميتاً. لكن القصيدة بقدر ما حملته من تشويه وظلم وادعاءات كاذبة لم ألتفت لها حتى وهو يقوم قبل رحيله بنشرها وإيصالها للعديد من معارفي وأنا أدرك أن الإنسان متى ما كان سجله نظيفاً من الصعب جداً أن تجبر الآخرين بقبول رأيك وقناعاتك مهما كانت صفتك، فالناس والمجتمع عامة هو من يقيّم الإنسان من واقع ماضيه وحاضره، وبالتالي فإن أي قول يخالف واقعه هو قول مردود على صاحبه، ويبقى مرفوضاً من الجميع حتى إنه يقف في مكانه من حيث بدأ. ردة الفعل على الرسالة تتوقف على مضمونها Your browser does not support the video tag.