النقلات النوعية التي قادت الأمم إلى قمة الصدارة الأممية، تحدث عند وجود النضج والوعي عند أفراد الأمة المعنية، فالنهوض والوثوب متلازمان دائماً مع حجم الثقاقة التي تنعم بها شعوب وفئات المجتمع الذي سطت دولته على مصاف التميز والحضارة والقوة، فالثقافة لها تعاريف كثيرة من الصعوبة حصرها في تعريف واحد، بل من الجهل حصرها أو زعم أن هذا التعريف مثالي لها، لأنها لا تكون ثقافة إلا إذا كانت صعبة الوصف، عصيّة التحييز والقالب الواحد، فهي متمردة ترفض الصيغة، تحتج على المعنى الواحد، تحطم قيود التعريف مجملاً وتفصيلاً، الثقافة أم رؤوم على القرّاء وأفرادها دون تمييز بينهم، ترفض الاختزال وتحب دائماً أن تكون كالمحيط السيّال المتدفق الذي يأبى شموخه وكبرياؤه أن يتوقف مده وعطاؤه، أو أن يلفظ من يأتيه ويريد تناوله والتجديف معه وبه.. إن الشعوب العظيمة التي سادت بثقافتها الحاضر وسيطرت حكوماتها سياسياً واقتصادياً يتجلى بكل وضوح إيعاز ذلك النصر للثقافة التي سادت مناخ تلك الأمة والدولة، من يقزم الثقافة ويجعلها من الأسباب والمسببات للنهوض، فهو واهم قاصر لم يدرك بعد كنه الجوهر الذي قفز بتلك الأمم وحقق لها المكان العظيم المبهر، الثقافة هي كل شيء، ولا يتحقق أي شيء إلا بها ومعها، من حارب جذورها وتفرعاتها بحجة أن الولوج في أعماقها قد يؤدي للاختلاف أو من حاول حجرها في عنصر واحد إما دينياً أو أدبياً فقد اعتدى بلا رحمة ولا بصيرة على أهم ما يميز حياة البشر ويرتقي بهم نحو الكمال والإبداع، كم أثلج الصدور هذا الاهتمام النبيل الذي قدمته لنا القرارات الأخيرة بإعطاء الثقافة حقها الذي تستحقه، بجعل وزارة خاصة باسمها، هي قفزة كبرى بكل ما تحمله طيات القفزات الكبرى من معنى، وكم نتمنى أن تتسع الوزارة لجميع الأقلام والأطروحات لأن الثقافة بالضرورة تعني التنوع وعدم الحصر ورفض القيد. Your browser does not support the video tag.