خلال شهر أبريل الماضي، أرعدت أميركا وأبرقت وتوعد (ترمب) بشار الأسد برد مزلزل على استخدامه للأسلحة الكيميائية، ثم لجأ لأسلوب التحدي رداً على تصريح السفير الروسي في لبنان وقال: إن الضربة العسكرية قادمة وسننظر ماذا أنتم فاعلون، كل هذه الجعجعة تمخضت عن ستين صاروخ توماهوك أعمتها التكنولوجيا الروسية الحديثة، فشوشت عليها وأسقطت معظمها في البحر (وفق تقارير إعلامية غربية). أميركا لم تعد كما كانت، وكذلك روسيا الاتحادية لم تعد كما كانت. لقد جرب الروس خلال حقبة مابعد جورباتشوف أن يتبنوا النموذج الغربي بحذافيره، فانطلقوا لتنفيذ توصيات العالم الغربي فيما يتعلق بالديموقراطية وحقوق الإنسان والنظام الرأسمالي، لكنهم اكتشفوا مبكراً أن الغرب يريدون أن تبقى روسيا دولة تابعة لهم إلى الأبد، بصرف النظر عن المبادئ والقيم الإنسانية التي تؤمن بها. عاد الروس سريعاً لثقافتهم وقيمهم وعملوا بجد على استعادة توازنهم، لقد أدركوا أن طريق المجد يبدأ من إيمانهم بتراثهم وقيمهم وليس له علاقة برضا منافسيهم الغربيين، أعادوا هيكلة اقتصادهم وأنظمتهم الداخلية ثم جاء أوباما إلى السلطة، وجاء معه بسياسة عامة تجنح نحو النأي بالنفس عن المزيد من الانخراط في الأحداث والسياسات الخارجية، استغل الروس هذا البرود وتمددوا في أوكرانيا ثم في سورية لتصبح روسيا اللاعب الرئيس في ملفات عديدة، وجميع المؤشرات الاستراتيجية تبين أن هذا النهوض سيستمر في المستقبل المنظور وأنه يستحيل على العالم الغربي أن يقف في وجه القطار الروسي الذي بدأت عجلاته تدور على قضبان المجد. الأمر نفسه حدث مع الصينيين، فقد انفتحوا اقتصادياً وتمسكوا بثوابتهم الوطنية، ولا شك أنهم حققوا ويحققون نجاحات كبيرة في ميدان الحضارة، الدرس العظيم الذي قدمه الروس والصينيون خلال العقود الثلاثة الماضية يقول بوضوح: ليس بالضرورة أن تكون الديموقراطية الرخوة هي منهجك حتى تلحق بركب الأمم العظيمة وتفرض مكانتك واحترامك على بقية العالم، فالقيم والثوابت الوطنية هي طريق المجد الخاص بكل أُمّة، ولكل أمة طريقها الخاص، ولا مجال للتقليد الأعمى في هذا الباب المصيري. المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده تسير على نفس الطريق، فرؤية 2030 التي أطلقها ويقودها باقتدار الأمير محمد بن سلمان يمكن تلخيصها في نقطتين واضحتين هما: التمسك بالثوابت والقيم النبيلة التي نستمدها من شريعتنا السماوية وتاريخنا المجيد.. والانفتاح على مجالات العلم والاقتصاد لاستغلال قدراتنا الوطنية واللحاق بركب الأمم القوية. Your browser does not support the video tag.