الوقوف احتراماً للسلام الوطني في أي مجتمع هو تعبير رمزي ذو دلالة عميقة على الانتماء، والزهو، والحب والتقدير، والوفاء أيضاً، وهذا لا خلاف عليه، ولا يقبل مبرراً من أي نوع، أو تجاوزاً أو تساهلاً في العمل به؛ مهما كانت مقتضيات الحال، أو مستوى الفاعلين فيه. ما حدث في الجوف من قاضيين لم يقفا أثناء النشيد الوطني خلال حفل تدشين حملة «تراحم الجوف» خطأ، وتم الاعتراف به، والتحقيق فيه، ولكن هذا الخطأ لا يعمم على منتسبي الجهاز العدلي من جهة، ولا يحتمل التشكيك في وطنية القاضيين إطلاقاً من جهة أخرى، ومهم أن يبقى في دائرة الاحتواء الموجه بالعتب واللوم في عدم تكراره مستقبلاً، وأتمنى أن لا يخرج عن ذلك؛ لأن الثقة في القضاة كبيرة، ووقوع الخطأ وارد، وإحسان الظن مطلوب. ما دعاني للكتابة عن هذا الموضوع هو الطريقة التي تعاملت بها وزارة العدل إعلامياً مع الموقف، حيث يحسب للوزارة سرعة الرد على التغطية السلبية المنشورة عن الموضوع في شبكات التواصل الاجتماعي، وزاد عليها تطبيق الواتس أب انتشاراً وتعليقاً، ومع ذلك خرج المتحدث الرسمي لوزارة العدل بلغة عاقلة، وحكيمة، وعميقة أيضاً في التعبير، فلم ينكر أو يتهرّب أو يقلل من الحدث، وإنما اتخذ استراتيجية مهمة في مثل هذه المواقف وهي (اتخاذ إجراءات تصحيحية)، من خلال ما وجه به معالي رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشيخ د. وليد الصمعاني بالتحقيق مع القاضيين، ثم ما تناوله في سياق الرد من موضوعية التقدير للنشيد الوطني ورمزيته، وعدم النيل من المؤسسة العدلية نتيجة خطأ فردي. من يتابع وزارة العدل إعلامياً يدرك أن هناك استراتيجية اتصالية مؤسسية في صناعة المحتوى وليس فقط إداراته، والفارق كبير بينهما، ومن هنا نلمس قدرة تزامنية فائقة بين الأفكار والمعلومات أثناء بناء النصوص والقصص الخبرية، وموقع الوزارة وحسابها في تويتر أكبر شاهد على ذلك؛ لذا ليس مستغرباً أن تخرج الوزارة للجمهور لترد بطريقة يتقبلها ويصنّفها على أنها واقعية وتحترم وجهة نظره. كثيرة هي المواقف التي خرجت فيها أجهزة حكومية للرد على أي تغطية سلبية منشورة عنها، بعضها توفق، وأخرى تزيد من حجم المشكلة وتداعياتها، ولكن الأسوأ حين يتم تجاهل الجمهور وما يثيره في شبكات التواصل الاجتماعي تحديداً، حيث لا يمكن أن يكون هناك مسؤول ما يزال لديه شك في القدرة الهائلة لسلطة الجماهير في تلك الشبكات، ويتعامل مع ردودهم على أنها فقاعة تنتهي في وقتها، من دون أن يدرك أن ذاكرة الجمهور أصبحت عميقة، ومتجذرة في التفسير والتحليل والتنبؤ أحياناً، وهو ما يتراكم مع الوقت ليشكّل صورة نمطية سلبية عن الجهة، خاصة أن الأدوات التقنية المستخدمة في التصوير والتوثيق زادت من حجم التفاعلية في التعبير عن المشهد، وتسويقه ليس ردة فعل، وإنما أيضاً بناء حكم وهو الأخطر!. Your browser does not support the video tag.