حتى الحلقة العاشرة من مسلسل «العاصوف» لا نعرف بالضبط من يكون البطل خالد «ناصر القصبي»، لا نعرف همومه، أفكاره، هواجسه، أشواقه، ولا نرى منه سوى حركة مستمرة بين بيته وبيت خالته أو على ظهر «الدراجة النارية» مع حمود «حبيب الحبيب». مجرد حركة ظاهرية لا تحاول الاقتراب من العمق بأي شكل، سواء كان عمقاً فكرياً أو عمقاً نفسياً، وهكذا بالنسبة لبقية الشخصيات. عندما يبلغ العمل الدرامي ثلث مدته دون أن يرتبط المشاهد بالشخصية الرئيسة أو يفهم دوافعها ومشاعرها فإن هناك خللا مؤكدا في السيناريو. أسئلة مهمة لم يجب عنها العمل وسط غياب للصراع الذي يحرك الشخصيات ويصهرها في سياق منطقي وبأبعاد متعددة ومتداخلة. ما يجري في «العاصوف» هو بشكل ما يشبه «سيلفي» و»طاش»، فبالرغم من أن شخصياته ثابتة في مكان واحد وفي زمن واحد إلا أن موضوعاته يتم طرحها على طريقة «سيلفي» وأشبه بالحلقات المنفصلة، فما أن تبدأ قضية حتى تنشغل بها كل الشخصيات، ثم تأتي القضية التالية فينسى الجميع القضية الأولى وينهمكون تماماً في قضيتهم الثانية، وهكذا يسبح المسلسل في عالم مسطّح لا عمق فيه، ولا تداخل ولا تشابك بين مساراته وأحداثه. في هذا العالم لا فرصة أمام البطل «خالد» ليقول للمُشاهد من هو في الحقيقة، ما هي همومه، وهواجسه، وتطلعاته، ولا مجال لاقتراب المُشاهد منه. وهذا بالطبع ليس جديداً في الدراما السعودية، بل هو الأصل فيها، فلم تظهر بعد الشخصية الدرامية التي تصل إلى العمق الذي يؤدي إلى تعاطف المُشاهد وتماهيه وتأثره، باستثناء بعض الومضات الخاطفة؛ مثل المشهد الختامي لحلقة «بيضة الشيطان» في «سيلفي»، ومشهد بكاء عبدالعزيز المبدل في مسلسل «42 يوماً»، وحلقة «القصاص» في «طاش» وبضع مشاهد متناثرة خلال أكثر من ثلاثين سنة من عمر الدراما السعودية. ومع ذلك فلم تأت هذه الومضات وفق بناء حقيقي لهذه الشخصيات يجعلها ترسخ في ذاكرة الجمهور. بناء الشخصية، وهو عنصر مهم من بين عدة عناصر فنية تتألف منها الحكاية في العمل الدرامي، يتطلب جهداً ضرورياً في رسم الملامح والظروف والدوافع والمشاعر والسمات التي تحكم الشخصية وتضبط تغيرها وتطورها المُلازم لنمو الحدث. وعندما توضع الشخصية في مختبر «الحدث» تتكشف أخلاقها ومشاعرها العميقة فيبدأ المُشاهد بالتعاطف معها وفهم سلوكها ومواقفها حتى لو كانت شخصية مختلّة أو مجرمة. لهذا أحببنا مسلسلات مثل Breaking Bad وTrue Detective وFargo لارتباطنا بشخصياتها بالدرجة الأولى، وفهمنا التام لماذا تتصرف هذه الشخصيات على هذا النحو تحديداً؟. ولماذا هي مجبرة على خوض مغامراتها الخاصة حتى وإن بدت مغامرات مستحيلة؟. كل هذا لم نره في «العاصوف» رغم مرور ثلث العمل تقريباً. لم نرتبط بعد بأي شخصية من شخصياته، لأننا ببساطة لم نقترب من هذه الشخصيات ولم نعرفها ونفهمها بشكل يسمح بتعاطفنا معها وحبنا لها. Your browser does not support the video tag.