ما زال الكتاب يحافظ على حضوره بقوة في الأوساط الثقافية، ولَم يتأثر كثيرا بثورة الاتصالات؛ حيث نجد أن المملكة تزخر بكثير من إبداعات الكُتاب من الجنسين، الذين ما زالت معاناة كثير منهم مع الطباعة داخل المملكة، تقف في وجه إنتاجهم، فتوجهوا إلى خارجها لطباعة إنتاجهم. ما أسباب هذا الخروج مع وجود كثير من دور النشر داخل المملكة؟ "تحقيق الانتشار" يقول الشاعر عبدالهادي صالح: يوجد اليوم بعض دور النشر الجيدة في السعودية، وقد انتبهت لحالة الكتاب الورقي، واستعددت لمواصلة الطباعة وإعادة صياغة خططها، وركزت على التعامل مع التكنولوجيا ووسائط التواصل الاجتماعي ومشاركتها الحقيقية في معارض الكتب الدولية، وتحقيق الانتشار المطلوب، وكسبت ثقة المؤلف والقارئ، لكن هذه الدُّور تظل قليلة، ويمكن أن تعد على الأصابع، وربما تعتذر بعض الدُّور المحلية عن طباعة بعض الفنون الأدبية كالشعر مثلا، فهي تعتقد أن القارئ اليوم لم يعُد يعنيه الشعر، ولا يحقق للدار مكاسبها المتوقعة، فيلجأ الشاعر مضطرا إلى دور نشر عربية حتى إن كان الثمن باهضا. ولربما كان هذا اللجوء من بعض الكُتاب إلى دور النشر العربية خارج المملكة؛ بسبب ضعف التوزيع داخل المملكة من بعض الدور المحلية، وعدم تحقيق الانتشار الواسع في الخارج، وتعتمد آلية التوزيع هذه على حرص صاحب دار النشر على الوصول إلى القارئ العربي وغير العربي، الذي يتقن اللغة العربية والتعريف بالكُتاب السعوديين عن طريق توزيع مؤلفاتهم، والمصداقية في طباعة الكمية المتفق عليها، ونسبة الأرباح التي ينتظرها المؤلف نتيجة لذلك. والعقد الموقع بين الطرفين يجب أن ينفذ ويتحمل صاحب الدار الوفاء بذلك؛ لأنه على كل حال قد قبض تكاليف الطباعة مسبقا من المؤلف. ويبدي عبدالهادي تفاؤله رغم هذه المصاعب قائلاً: إنني على يقين بأن المستقبل سيكون للكتاب الإلكتروني، ولربما لن تصمد دور النشر الضعيفة أمام الثورة التقنية. وأركز هنا على مفردة الضعيفة؛ لأن دور النشر القوية وصاحبة الصيت، التي بنيت على مبادئ جيدة وصارمة، وحظيت بالثقة بينها وبين المؤلف والقارئ، ستحافظ على سمعتها ووفائها مع الجميع بلا شك، وستتعامل مع التقنية وفق طريقتها الخاصة، وكسب الرهان في البقاء والمقاومة أمام تلك الثورة التقنية. "معاناة الكتّاب" أما الشاعر سيف المرواني فقد أكد أن هناك حراكا ثقافيا كبيرا من الكُتاب في التأليف وطباعة الكتب لكثير من المواهب، ويستدرك قائلاً: تتمثل المعاناة في عدم وجود دار نشر تحتوي تاج المبدعين في داخل المملكة، وهناك عدة أسباب أراها - من وجهة نظري - وقفت في وجه المبدع لنشر إنتاجه محليا، أولها: المبالغة في الأسعار مقارنة بما يتم خارج المملكة، فقد تطبع كتابين خارج المملكة بقيمة كتاب يطبع داخلها. ثانياً: عدم خدمة المبدع في الوجود في المعارض، وهذه أيضا معاناة أخرى تدفع المبدعين للبحث عن دور نشر توجد في المعارض. ثالثاً: هَمُّ صاحب دار النشر الكسب المادي، ولا يقوم على خدمة العمل الإبداعي، فقد مررت بهذه التجربة بحيث طبعت محليا ولم يقم بأي دور في نشرها، بل بقيت حبيسة، بينما نجد الدور الخارجية تسهم في دعم المبدع، فحينما توجهت لدار خارج البلاد خدمتني عربيا ومحليا، ودعمتني كثيرا، وهناك دور لا تهتم كثيرا بالحضور في معارض الكتاب، ما أدى بنا إلى البحث عمن يهتم بالعمل الأدبي، ووجوده في كل مكان، فحين يكون الكتاب موجودا في كل مكان، يكون جسرا يصل بين الكاتب والقارئ أو الجمهور، وحتى بعض دور النشر الخارجية هدفها الكسب المادي فقط، ولكن حين أجد دار نشر مميزة، تحتوي الإنتاج الأدبي وترعاه بعناية، فهنا هو المرام. رابعاً: البطء في العمل على الكتاب، فربما يحتاج فترة طويلة حتى تتم طباعة الكتاب، وعدم الاهتمام الكافي أحد دوافع البحث بعيدا عن مكان يمنحك مزيدا من الإشراق والتوهج. "احترام العقود" من جهته، اعتبر القاص سلطان العيسى أن كل كاتب يحلم بنجاح كتابه على مستوى الطباعة والنشر والتوزيع، فلذلك يعتبر جنسية دار النشر أمرا ثانويا بالنسبة له، أما الأسباب التي تجعله يختار دارا عن أخرى فكثيرة، من أهمها سمعة الدار، وقدرتها على نشر وتوزيع الكتاب، كذلك ما يتعلق بالأمور المادية، واحترامها العقود. أما بالنسبة لدور النشر السعودية، فيبلغ عددها 103 دور تقريبًا، أغلبها دور نشر ناشئة أو صغيرة، يعاب على أكثرها المبالغة في سعر الطباعة والنشر، أو ضعف التوزيع، أو كلاهما معًا. ولعل هذه العوامل هي التي تجعل الكاتب يبحث خارج الحدود عن دار نشر توفر له ما يطمح إليه. ويرى العيسى ضرورة تغيير النظرة المادية البحتة لبعض دور النشر المحلية، حتى تستطيع كسب ثقة الكاتب الجديد، وتجذب الكاتب المخضرم لها. كما يرى أهمية اشتغال الناشر المحلي بتحسين مستوى التوزيع في المكتبات ومنافذ البيع، وعمل حملات إعلانية متناسبة مع حجم الكتاب ومضمونه. فيما يرى أن أرباح المبيعات قد لا تغطي مصروفات الطباعة والنشر عند بعض الكتاب، خصوصًا المبتدئين منهم، لذلك فتحمُّل الدار بعض المصروفات الأولية، قد يسهم في تشجيع الكتّاب للتعامل معها، ما يسهم في تحسين صورتها، وزيادة شهرتها في الأوساط الأدبية. ويؤكد العيسى أن عملية صناعة الكتاب، وسوق الكتب، ونموها وانهيارها، أمر قومي يخضع لمعايير تجارية وثقافية مختلفة، تحدد ماهيته وكيفيته، لذلك فترتيب وهيكلة سوق دور النشر المحلية، سيسهمان بشكل كبير في نموها وازدهارها، ما ينعكس - بلا شك - على المؤلف السعودي الراغب في النشر والتوزيع. "دعم الناشرين" من جهته، قال فيصل بدر العجمي مدير دار نشر: أولا كناشر أو دار نشر لا يوجد من يدعم الناشرين، ويقدم لهم التسهيلات أيضا الكلفة العالية في حال فتح مطبعة من قبل الناشر أو كمية التراخيص أو تكلفة المكان، إذا قارنا تجارة الكتب بأي نشاط آخر، نجد أن تجارة الكتب خاسرة 10 في المئة، ولا يخفى على أحد سعر المطابع المحلية العالية في الطباعة، أيضا ركود الطلب على الكتاب يكبد الناشر والمؤلف خسائر، وأضف إلى ذلك حتى إن طبع المؤلف، فأين سيتم تخزينه؟ فالمستودعات تكلفة إيجارها باهظة، وأيضاً تراخيصها صعبة، لذلك الناشر يعاني كما يعاني المؤلف، كما أن السوق الاستهلاكي والشرائي ضعيف جدا، فيما نقارن مبيعات مثلا معرض جدة الأخير غير مجدية بالنسبة إلى المعارض السابقة قبل سنتين، الملحوظ أن القوة الشرائية تقل في ظل وجود الإنترنت وثورة الإنترنت، كما أن دور النشر لو تتبنى وتطبع على حسابها حتى لو كان كتابا مقررا أو قديما، فأيضا هي خاسرة، حيث أصبحت التكلفة التشغيلية لدار النشر عالية جدا في الوضع الراهن، وأرى أهمية دعم دور النشر، ووضع التسهيلات لها، سواء مادية أو لوجيستية، فإن الوضع في نزول. "تطور الفكر" ويؤكد عبدالعزيز الشريف شاعر وإعلامي رئيس منتدى عبقر الشعري في نادي جدة الأدبي، أن الكتاب الورقي الخازن الأمين، مهما تنوعت مصادر المعرفة واتسعت.. ويظل للكتاب عشاقه ومريدوه، الذين يحرصون على اقتنائه ومتابعة جديده، وتوارث تداوله، مهما حدث من تعدد وسائل نقل المعلومة بكل فضاءاتها، لذلك فإنه هو الذي يبقى على مر الزمن، والكتاب الورقي تحديدا يكون العلم التراكمي في البحث وتقصي وتطور الفكر عند المؤلفين والباحثين، وتجده دائما في متناول اليد، خاصة عند الذين تربت عيونهم وفكرهم على الكتاب الورقي، وعلى عمق وتفصيل المعلومات بشكل تسلسلي وبحث دائم .. نعترف أن جيل اليوم يمتلك مساحة أكبر وأسرع في البحث عن المعلومة السريعة، التي يصل إليها في أسرع الطرق وبيسر وسهولة، وهذا معطاه الحضاري ومكون رئيس من ثقافته وتواصله مع العالم من حوله، وهذا بحد ذاته تنوع في تلقف الفكر بكل جوانبه، وما نراه في إقبال المجتمع بكل أطيافه على معارض الكتاب في المملكة ومن كل المستويات العمرية، نجد أن هذا الشغف دليل قاطع على أن الكتاب ما زال سيداً، وأنه قلعة حصينة لكنوز الكتب ومجالاتها المختلفة.. وفي كل معرض كتاب يتجدد اللقاء مع كل إصدارات المطابع التي تحمل لنا الجديد والضوء والأمل بعالم يتدفق بالعلم والمعرفة. يجب أن نعترف أن هناك مشكلة تواجه المبدعين بكل مراحلهم العمرية، وأن مثل هذه المشكلة أكثر ما تواجه فئات الشباب من المبدعين والمبدعات، الذين ما زالوا في بداية حياتهم الكتابية، والسبب ارتفاع تكلفة إنتاج الكتاب من قبل دور النشر، التي لا تهتم إلا بالربحية المرتفعة، وهذا يجعل المبدع الشاب يدفع بنتاجه الأدبي إلى دور النشر خارج الوطن للبحث عن السعر الأرخص، وهذا يجعل كثيرا منهم في مواقف محرجة مادياً ومعنوياً، ولو أن الأندية الأدبية جمعيها اشتركت في إنشاء هيئة نشر الكتاب السعودي، تشمل مطبعة وطنية وتوزيعا موحدا، تتلقف نتاجها الأدبي مجتمعة، بدل تلك المبالغ التي ينفقها كل ناد على حدة، وتقدم خدمتها الطباعية على شكل استثمار وعائد مالي يفيد هذه الأندية، ويسهم في حل بعض مشكلاتها، على أن تطبع للأديب كتابه بقيمة رمزية منوع من الرعاية والتشجيع، وبما أن الأديب في هذا البلد يعاني سوء ورداءة وعدم مصداقية دور التوزيع، بل إن بعضها شبه وهمي، وتستخدم أسلوب التضليل والغش، لهذا نجد أن الأديب بحاجة إلى شركة توزيع وطنية جادة تتلقف ما ينتجه الأدباء الشباب وتتولاه هذه الهيئة طباعة ونشراً وتوزيعا، وبهذا يعود المؤلف والكتاب للنشر من الداخل بدلاً من شتات واتفاقيات الأندية "ماليا" مع تلك الدور.. خارج الوطن. وجود دار نشر تحتوي تاج المبدعين في ووضع التسهيلات لها، سواء مادية أو الدور.. خارج الوطن. عبدالهادي: ضعف التوزيع في الداخل المرواني: المبالغة في أسعار الطباعة العيسى: سمعة الدار هي المعيار العجمي: صناعة مكلفة وغير مجدية الشريف: مطبعة وطنية تجمع شتات المبدعين Your browser does not support the video tag.