لا أحد يعرف ماذا يُخبئ القدر، فمن كان يظن بأن ذلك الطفل الصغير الذي فقد أمه بعد شهر من ولادته لإصابتها بمرض الدرن ويعيش سنواته الأولى وحيداً مع أب يعمل سائقاً للقطار، سيُصبح بعد ثلاثة عقود فقط "أعظم شاعر أنجبه القرن العشرين في جميع لغات العالم"، كما قال عنه الروائي الكولومبي الشهير غابرييل غارسيا ماركيز. يُعتبر الشاعر التشيلي بابلو نيرودا، أحد أهم الشعراء وأكثرهم تأثيراً على مر العصور. ولد بابلو نيرودا في 12 يوليو من عام 1904 في قرية "بارال" في وسط تشيلي، وقبل أن يُكمل عامه الخامس، انتقل مع والده إلى مدينة "آلاروكانا" التي كانت ساحة للمعارك بين المستعمرين الإسبان والسكان المحليين. كان بابلو الصغير يجد متعته الوحيدة في مشاهدة الغابات الخضراء والطبيعة الخلابة من نافذة القطار الذي كان يقضي فيه كل أوقاته تقريباً، فتملّكه الشغف بحب الطبيعة والتي ظهرت كثيراً في أشعاره وكتاباته. تزوج والده للمرة الثانية من "ترينيداد كانديا" التي قال عنها بابلو: "كانت بالنسبة لي الملاك الحامي، بل هدية السماء". "عشرون قصيدة حب وأغنية بائسة"، ديوانه الشعري الأول، والذي أنجزه وهو في العشرين من عمره، كان بمثابة جسر عبور لشاعر شاب "سبق عصره وتفوق على كل شعراء الغرب"، كما أكد ذلك أكثر من مرة الناقد الأميركي الشهير هارولد بلووم. وقد تُرجمت أشعاره لكل لغات العالم، وعدّه النقاد واحداً من أعظم الشعراء على مدار التاريخ. ولم يكتف بابلو نيرودا بكتابة الشعر فقط، ولكنه كان ناشطاً سياسياً، وتقلّد العديد من المناصب السياسية، وترشح لرئاسة بلاده. ومن أهم أعماله الأدبية: عشرون قصيدة حب وأغنية بائسة، التساؤلات، أشهد أنني قد عشت، النشيد العام، ذكرى الجزيرة السوداء. حصل بابلو نيرودا على العديد من الجوائز والألقاب، أبرزها جائزة نوبل في الآداب عام 1971، وقد كان في ال 55 من عمره. وفي 23 سبتمبر من عام 1973، وعن عمر 69 عاماً، رحل بابلو نيرودا للعالم الآخر، وجفّ حبره الأخضر الذي كان يستعمله في كتابة قصائده، إذ كان يتفاءل باللون الأخضر لأنه لون الأمل الذي يُعيده لذكريات الطبيعة الخضراء التي كان يُشاهدها وهو طفل صغير طوال الوقت من نافذة القطار وهو بصحبة والده. يقول بابلو نيرودا: "قطع كل الزهور، لا يعني منع الربيع من القدوم" . Your browser does not support the video tag.