ما أن يذكر الوزير عبدالعزيز بن عبدالله بن علي الخويطر إلاّ وتذكر معه قصة الطلب الذي رفعه إلى وزارة المالية بتوقيع منه حين كان وزيراً للمعارف، لكن هذا الطلب تم رفضه من الوزير الخويطر نفسه حين كلف بوزارة المالية، عبدالعزيز الخويطر اسم سامق في تاريخ الوزراء السعوديين، فهو قبل وبعد وأثناء الوزارة أديب وكاتب وأكاديمي، له مساهمات في عالم التدوين والكتب ذات المستوى العالي، فقد كتب في جميع الأصعدة السياسية والاجتماعية والأدبية عربياً وعالمياً، رجلٌ ذو علم وأدب وثقافة، ويُذكر أنه أول من حصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من العاصمة البريطانية لندن، أثرى الحركة التعليمية في المملكة وزيراً وخبيراً، حتى لقبه البعض ب»أبو المعارف» مسمى وزارة التعليم السابق، لارتباط اسمه بالتربية والتعليم الذي كان تحت مسمى وزارة المعارف، وقد تبوّأ الخويطر حينها عدة مناصب ريادية وقيادية، كما تولى حقائب عدة وزارات، وختم حياته وهو يشغل منصب وزير دولة لشؤون مجلس الوزراء، وقد عُرف - رحمه الله - بالأمانة والجدية، وهو من مواليد مدينة عنيزة العام 1344ه الموافق 1925م، ودرس فيها مرحلتي الابتدائية والمتوسطة، ثم انتقل إلى المعهد العلمي بمكة المكرمة لإكمال دراسته الثانوية، وسافر بعدها إلى القاهرة ليدرس في كلية دار العلوم، ويحصل على شهادة «الليسانس»، ليتجه بعد ذلك إلى انجلترا لإكمال دراسته في التاريخ حيث نال درجة الدكتوراه من جامعة لندن سنة 1960م، كأول سعودي ينالها في قسم التاريخ، كان الخويطر رجل دولة وسياسي محنك، وقد عاصر خمسة من ملوك المملكة، الملك سعود والملك فيصل ثم الملك خالد والملك فهد والملك عبدالله - رحمهم الله جميعاً -. ثروة وطنية بدأ د. عبدالعزيز الخويطر حياته المهنية عضواً في هيئة التدريس بقسم التاريخ بكلية الآداب جامعة الملك سعود، وأصبح الأمين العام لمجلس الجامعة، فوكيلاً لها للشؤون الأكاديمية، حتى وصل إلى منصب مدير الجامعة، لينتقل بعدها رئيساً لديوان المراقبة العامة لمدة عامين تقريباً، ثم وزيراً للصحة لمدة تقارب العامين، ثم وزيراً للمعارف -التعليم- لمدة (21) عاماً، كما تولى مسؤولية وزارات أخرى هي الشؤون الاجتماعية، المالية، التعليم العالي، الزراعة، ثم وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء، اشتهر بالدقة والنزاهة طيلة فترة توليه المسؤولية، واعتبره البعض عميداً للوزراء؛ لأنه الأكبر عمراً وخدمة، وكان مبعوثاً خاصاً لعدد من الملوك، حتى إنه نُقل عن الملك فيصل أنه قال: "الخويطر ثروة وطنية فلا تفرطوا فيها". حكمة وعقل وأشاد كل من عمل وتعامل مع الوزير د. الخويطر بسيرته الشخصية والعملية وقد أشار وزير الخدمة المدنية الأسبق محمد الفايز، إلى أن د. عبدالعزيز الخويطر كان في منتهى الحكمة والعقل، ولم يكن يحب الدخول في نزاعات مع الآخرين، ولهذا احترمه الجميع، ولفت محمد أبا الخيل وزير المالية الأسبق، إلى أن الخويطر كان رجلاً محباً للخدمة العامة، ولو خُير بينها وبين غيرها لاختار الخدمة، مضيفاً أن البلدان النامية تحتاج إلى رجال مثله، يحبون خدمة بلادهم، ولديهم إيمان بجدواها، ووصف د. سعيد المليص عهد الخويطر في وزارة التعليم بالمثمر، بعد إدخال الرياضيات الحديثة في مناهج التعليم وتطويرها، إضافةً إلى ما شهده المعلم من تأهيل وإعداد وابتعاث ليكون كفئاً لمهمة بناء الأجيال الجديدة، إضافةً إلى تخفيض حصص المعلم في المرحلة الابتدائية، كما استحدث الخويطر برامج جعلت المعلم المواطن في موقع العطاء المميز مع وجود المعلمين العرب، واستحدث أيضاً المراكز التكميلية لخريجي معاهد المعلمين والكليات المتوسطة، لتصبح كليات للمعلمين، ويقول الدكتور أنور أبو العلا رئيس مركز اقتصاديات البترول: إن الخويطر كان مثالاً يحتذى في النزاهة، حريصاً على المال العام، حتى أصبح الشيخ محمد أبا الخيل يأتمنه على خزينة الدولة، فكان ينيبه -بعد موافقة الملك- في وزارة المالية كلما غاب عن الوزارة. موقف طريف من مواقف د. عبدالعزيز الخويطر الطريفة التي رواها د. غازي القصيبي في كتابه "حياتي في الإدارة" أنه عندما كان الخويطر وزيراً للمعارف، تولى وزارة المالية بشكل مؤقت فأصبح وزيراً للمعارف في الصباح، ووزيراً للمالية بعد الظهر، وفي أحد الأيام وقّع الخويطر بصفته وزيراً للمعارف خطاباً موجهاً لوزارة المالية، يطلب فيه اعتمادات مالية لتسيير مشروعات تحتاجها وزارة المعارف، وعندما ذهب بعد الظهر إلى وزارة المالية، وجاءه خطاب وزارة المعارف الذي وقعه هو في الصباح، عرف مضمون الخطاب بمجرد أن رآه، لكنه وقّع عليه بالرفض، معللاً أنه في المالية يرى ما لا يراه في المعارف. مثقف ومفكر فكرياً وثقافياً يعد د. الخويطر أحد المثقفين والمفكرين القلائل الذين أخلصوا للبحث العلمي الجاد، وكانت لديهم القدرة على الكتابة الأدبية الرصينة والراقية، ولذا فقد تميز بأسلوبه الأدبي ومفرداته الفصيحة السلسة والواضحة، وهو في كتبه وأبحاثه يكتب للجميع بلغة السهل الممتنع، بعيداً عن التكلف واللجوء للمفردات البالغة الغرابة، وكان التاريخ والتراث اهتمامه الأول، والمجال الذي تخصص فيه، حيث عمل على فهم السنن الكونية، وحرص على التعمق في كشف أسرار التاريخ وعبره، واجتهد في نقله للأجيال الجديدة. الارتقاء بالتعليم ويطول الحديث عما قدمه د. عبدالعزيز الخويطر عندما كان وزيراً للمعارف من أعمال جليلة للتعليم والمعلم، فمنذ أن تولى منصبه، عمل على الارتقاء بأهم عنصرين في العملية التعليمية المعلم والمنهج، ما جعله رجل التعليم الأول بالمملكة في وقته، وكانت مهنة التعليم قبل توليه الوزارة مهنة غير مرغوبة، وكانت كليات التربية وإعداد المعلمين لا يقبل عليها أحد إلا القليل؛ والسبب ضعف العائد المادي للمعلمين، لهذا سعت الوزارة لإيجاد كادر خاص بالمعلمين، وبذلت ورجالها وعلى رأسهم الخويطر جهوداً كللت بالنجاح لإصدار هذا الكادر المالي الخاص بالمعلمين، ليضم الراتب الأساس مع البدلات ليستفيد منها المعلمون عند التقاعد، وعُمل به بالفعل من العام 1402ه، كما عمل الخويطر على أن تكون الترقيات مربوطة بالتأهيل العلمي، فتنافس المعلمون في طلب العلم، وتنامت أعداد الحاصلين منهم على الدرجات العلمية الرفيعة، كما رفض العام 1412ه إعادة النظر في وضع الكادر، وعارض تخفيض المستحقات المالية للمعلمين باعتباره أصبح حقاً مكتسباً لهم، وكان رده صارمًا بأن ما حصل عليه المعلمون من تقدير لا يجوز الأخذ منه أبداً، فانتصر لهم مراهنًا على دور المعلم في النهوض بالوطن، إضافة إلى ما قام به تجاه نظام الأسر الوطنية، وبرغم حزمه في الأمور المالية كان كريماً سخياً في الإنفاق على الجانب الفكري والعلمي، فقد شجع على إعطاء المزيد من المكافآت لأساتذة الجامعات والموجهين والمعلمين ممن لديهم القدرة على الكتابة والتأليف، فبعد أن كانت اللوائح تحدد المكافآت ب(20) ألف ريال لكل كتاب مدرسي أصبح الكتاب الواحد ستة كتب، هي كتاب الطالب، كتاب المعلم، كتاب النشاط، ثم قسم كل منها إلى كتابين للفصلين الدراسيين، وهكذا ارتفعت المكافآت من (20) ألف ريال للكتاب الواحد إلى (120) ألفاً. كتابة وأدب واهتم د. الخويطر بالكتابة والأدب إلى جانب التاريخ من خلال مؤلفاته العديدة في التراث، من أجل نشر المعرفة ونقلها إلى جيل اليوم في زيارات لمواقع ووقائع الماضي، وعاداته وتقاليده وطبائع أهله وأساليب عيشهم، وتمثل نتاجه الأدبي في كتاب "أي بني" في خمسة مجلدات، وهو كتاب أدبي على صفة خطاب موجه من أب إلى ابنه، وهو بمثابة الموسوعة التراثية الكاملة، والكتاب الضخم "وسم على أديم الزمن"، وهو سيرة ذاتية متعددة الأوجه والفروع، وكتاب "النساء رياحين" عن تأثير المرأة ودورها الحقيقي والمأمول، كما حقق الخويطر ونشر كتاب "الروض الزاهر في سيرة الملك الظاهر" لمحيي الدين بن عبدالظاهر، ويعد كتاب "الملك الظاهر بيبرس"، والذي نال به درجة الدكتوراه، أحد الكتب المميزة عن شخصية تاريخية كبرى، كما أعد دراسة وتقديماً لديوان عبدالمحسن الصالح، وله كتاب "حاطب ليل"، بموضوعات متفرقة عن التربية والتعليم، و"إطلالة على التراث" في (15) جزءاً، و"ملء السلة من ثمر المجلة"، وكذلك مقالات مختصرة سبق نشرها في المجلة العربية ومجلة الفيصل عن إتاحة الفرصة للنشء للاطلاع على تراث الآباء، وما فيه من جمال ونفع، وألف كتاب "عثمان بن بشر" العام 1390ه، وكتاب "قراءة في ديوان محمد بن عبدالله بن عثيمين" العام 1412ه الموافق 1991م، وألف "يوم وملك" العام 1998م، عن توحيد المملكة، إضافةً إلى كتب أخرى عن تاريخ التعليم في المملكة وغيرها من الكتب. كتاب موسوعي ويعد كتاب د. الخويطر "وسم على أديم الزمن" من الكتب الموسوعية كما يرى د. محمد الشويعر، حيث تناول حياته الخاصة والرسمية وفترة عمله في وزارة المعارف وهي سنوات لها ما يميزها، وضم الكتاب تلخيصاً لحوادث كل شهر وما فيه من عمل بارز، ويرى د. الشويعر أن الكتاب ممتع، أجاد فيه المؤلف، وأكثر ما فيه أشعار وعلاقات أخوية وأسرية، أمّا عبدالله خياط فقال: إن الخويطر دون مذكراته بما لها من قيمة تاريخية واجتماعية وسياسية كبيرة، وهذا الكتاب يتناول سيرة وقصة أسرته آل الخويطر باستفاضة، حتى إنه ذكر نساء الأسرة بالجزء الأول من الكتاب، الذي حفل بقراءات مؤلفه من القصص والطرائف والمواقف والأشعار، وإن الجزء الثاني خصص لحياته في عنيزة ثم حياته المهنية، وكذلك عن توليه مسؤولية وزارتي المالية والخارجية نيابة عن وزيريهما وغيرها من الوزارات، إضافةً إلى تكليفات من قبل ملوك المملكة، وفي الكتاب أدب غزير وشعر فصيح وأحياناً عامي. برنامج التغذية تساءل الكثير من الباحثين في تاريخنا الاجتماعي عن فكرة برنامج التغذية المدرسية وسبب توقفه العام 1400ه، والحقيقة أن ذلك تم من قبل الوزير د. الخويطر نفسه بعد أن أدرك حجم المُبالغة في قيمة العروض المقدمة للوزارة، وحينها وجد الخويطر أن أهم قرار سوف يتخذه في هذا الصدد هو إيقاف البرنامج، لاسيما بعد أن وصلته تقارير عن ضرر المعلبات الفولاذية لبعض الأغذية على الطلاب، وزيادة حجم الفائض من هذه المعلبات، وعلى الرغم من أن الوزارة عالجت مسائل الأطعمة المطبوخة والمعلبة في العام 1399ه أي بعد عامين من التوسع في برناج التغذية، وهي حينذاك قادرة - بلاشك - على معالجة مثل هذه المشكلات، إلاّ أن طمع وجشع البعض في عقود هذه المنافسة دفع الخويطر إلى إلغاء "التغذية المدرسية" على الرغم من أنها ساهمت بقوة في تنمية البرنامج الغذئي لذلك الجيل الذي مازال يتذكر هذا البرنامج الرائد الذي أصبح جزءاً من الذكريات الجميلة، لاسيما وأنه لبى حاجة الطلبة من ذوي الدخل المحدود، كما أن هناك ملمحاً آخر فات على بعض الباحثين، حيث تم إيقاف برنامج التغذية في الوقت الذي كانت ميزانية المملكة تحقق أعلى نسبة لها في تاريخ المملكة منذ وحدتها، وهذا يدلل على أن السبب في إيقافها لم يكن عائداً إلى انخفاض الميزانية وهبوط أسعار النفط، ويبدو أن البعض خلط بين برنامج التغذية وبرنامج توزيع الملابس الرياضية الذي توقف منتصف الثمانينات الميلادية، وربما كان لانخفاض الميزانية سبب في ذلك. وفي الصالة الملكية بمطار الرياض القديم أقنع الخويطر ولي العهد آنذاك الملك فهد - رحمه الله - بضرورة إيقاف برنامج التغذية المدرسية، وحين تفهم الملك فهد إلى مسوغات الخويطر، طلب منه عرض الأمر على الملك خالد وسوف يوضح هو للملك أسباب ذلك، وفعلاً وافق الملك خالد بعد أن أوضح له الملك فهد والوزير الخويطر أسباب ذلك القرار. وفاته وتتويجاً للجهود التي بذلها الوزير الخويطر على مدى عقود طويلة محققًا خلالها العديد من المنجزات الكبيرة، تم تكريمه في المهرجان الوطني للتراث والثقافة في دورته الرابعة والعشرين تعبيراً عن الامتنان لما قدمه الخويطر من عمل وإنجاز. وفي يوم الأحد 26 /7 / 1435ه الموافق 25 مايو 2014م توفي الوزير عبدالعزيز بن عبدالله الخويطر عن عمر ناهز (91) سنة، وصلي عليه بعد صلاة عصر يوم الثلاثاء 28 /7 / 1435ه في جامع الإمام محمد بن عبدالوهاب بالرياض. وُوري جثمانه الثرى في مقابر النسيم ، وتقدم ولي ولي العهد آنذاك الأمير مقرن بن عبدالعزيز، جموع المصلين ومن بينهم أمراء ووزراء ومسؤولون وعسكريون ومواطنون وأقارب، واستقبل الابن الوحيد للفقيد محمد بن عبدالعزيز الخويطر العزاء في والده، ونعى الديوان الملكي الوزير الراحل، الذي أجمع معارفه وزملاؤه على أمانته ومراقبته لله سبحانه في جميع أعماله، رحم الله الفقيد رحمة واسعة. د. عبدالعزيز الخويطر عمل على الارتقاء بعنصري العملية التعليمية المعلم والمنهج تكريمه في المهرجان الوطني للتراث والثقافة «الجنادرية» كتاب «وسم على أديم الزمن» من تأليفه إعداد - منصور العساف Your browser does not support the video tag.