مررنا قبل عدة أيام بأحد أهم تواريخ العالم الإيجابية «يوم الأرض»، ويستهدف هذا اليوم نشر الوعي بين ساكني هذا الكوكب، ودعوتهم للاهتمام بالبيئة، ويعود السبب لاختيار هذا اليوم توافقاً مع تاريخ انعقاده لأول مرة سنة 1970 على يدّ مؤسسه السيناتور الأميركي Gaylord Nelson، اليوم تحتفل به أكثر من 175 دولة، بل يصل الأمر ببعض الدول أن يستمر الاحتفال لأسبوع كامل. رغم تعيين يوم 22 أبريل كيوم للأرض، إلّا أن هناك يوماً عالمياً آخر هو يوم البيئة، والذي يتم الاحتفال به في 5 يونيو، فضلاً عن غيرها من الأيام المماثلة لها. جميل الاهتمام بتعيين مثل هذه الأيام وربطها بحدث إيجابي وتفرّدها برمزية مطلقة، ولكن هل نكترث فعلياً بجوهر ما ندعو إليه؟ الأرض، البيئة، الكائنات الحية، الإنسان!، أم إن الأمر يقتصر على قضايا قشرية كالتشجير والتلوث (مثلاً لا حصراً)، مناديين لها ومتجاهلين جوهرها؟!، فجميعنا متّفقين على أهمية تلك القضايا دون أدنى شك، ولكن في المقابل من الخطأ التشبث بالفرع مع إهمال الأصل والجذر الأول، إذ أنه في الواقع ما لتلك القضايا وجود في حضرة عدمنا على الأرض! إذ أنها نتاج أيدينا بالدرجة الأولى وصنيعنا بنهاية المطاف!. مما لا ريب فيه أننا اليوم شرعنا تدريجياً في العدول عمّا يضرّ بالبيئة عموماً، جانحين نحو البدائل والحلول البيئية للحدّ من الآثار السلبية، وهو ما أسميه بالعقاقير القاسية والتي اضطرّنا وسيضطرّنا ذلك مستقبلاً لدفع الثمن، ولا عجب في ذلك فلكل شيء ثمنه كما يقال. في حقيقة الأمر، وعند تجريد المسائل واستقرائها بفطريتها، نجد أن الأمر بديهي، ولم يكن ليلزم كل ذلك الزخم من الإقصاءات الحادّة بغية الحفاظ على البيئة، أو التقنين لبعض العمليات والأنشطة البشرية كالصيد، التجوّل، البناء، وحتى التغذية!، كل ما في الأمر هو العودة للفطرة والإنسانية الأولى، وأن يتفهم ويؤمن الفرد منّا أن هذا المكان لا يتّسع له وحدة، ولم ولن يكن كذلك يوماً، فالبشرية في تزايد مستمر منذ توالي الأزمنة المنصرمة وامتداداً للقادم منها وما سيليها، الأمر الذي يستدعي تلبية احتياجات أجيال متعددة لأزمنة مختلفة تحت ظروف لا يمكن التنبؤ بها قطعاً، وهذا هو مفهوم الاستدامة من منظور علمي، مما يدفعنا للاستشهاد بما نصّه الله علينا ودعانا به في كتابه العظيم بمختلف المواضع، للحفاظ على هذا المكان الرائع. الأرض مكان جميل جداً للعيش، وكثيراً ما أتساءل، كيف سيكون شكل الأرض بعد عقود أو قرون في ظل سلوكيّاتنا ومفاهيمنا الخاطئة والاستغلال غير المشروع لها؟!. إن الأمر بنظري أكثر عمقاً من انتظار يوم من ال 365 للاحتفال بالأرض أو البيئة، ثم حذف ذلك اليوم مع باقي مخلفاتنا الفكرية المتعلّقة بهذا الجانب!، بل يجب علينا الإيمان بأن السنة كاملةً هي الأرض، ونحن يوم بها؟ فما نحن إلّا زائرين عليها، أفلا يستحسن بالزائر التأدب مع مكان استضافته؟، فمن غير المنطقي إهمال الأرض ثم تذكّرها مجاملةً بيوم!، لذا يجب أن نأصّل المفاهيم المتعلقة بالقضايا البيئية والإيمان بها أولاً، ومن ثم النهوض بها فكراً، قولاً، علماً، وعملاً، عندها سنستحقّ هذا المكان بجدارة. Your browser does not support the video tag.