لا يختلف جيل عن جيل آخر في الأساسيات ومطالب الحياة، وإن اختلفت قليلاً في كيفية التعامل والتفاعل معها، ولكن الاختلاف الأكبر يكون في المفاهيم والثقافات. هذه الثقافات كثيرة جداً، بعضها سلبي والآخر إيجابي، ويتبناها المجتمع عادة عن طريق التعليم الموجه أحياناً والقدوة والنمذجة حيث يرون نماذج في الأسرة والمجتمع فيتأثرون بها وتؤثر فيهم حتى تكون جزءاً من سلوكهم وأسلوب حياتهم. والثقافات التي يحملها الأفراد كثيرة مثل: ثقافة العيب، وثقافة الاحترام، وثقافة قبول الاختلاف، وثقافة التعايش وثقافة التنافس.. الخ، ولكن نتناول هناك ما يمكن أن نسميه « ثقافة التذمر» ولنتصور شخصاً أو مجموعة أشخاص يسيرون في الطريق ويمارسون الحياة بكل مكوناتها المتاحة التي تخضع لهم وفي إمكانهم تغييرها وأيضاً تلك التي لا تخضع لهم أيضاً ولا يقدرون عليها، فنجدهم يتذمرون من كل شيء فيها. الجو حار، الطريق مزدحم، الغبار كثيف، المتنزهات ملوثة، التعليم متخلف، الصحة بلا صحة ولا عافية، البنوك جشعة، الأسواق مليئة بالمنكرات، الطرق تالفة، المساجد، المآذن، المصلون، الأماكن، الساحات، الوزارات، الطلاب، المعلمون، الأطباء، المخدرات، الأمن، السرقات، العقوق. التذمر من المعروف أنه ميدان واسع، يجتمع في مسمى المفهوم الأهوج الأعوج، وهو بحر ملوث لا ساحل له ولا شواطئ أمان تحيط به، والمتذمرون لا يقدمون للمجتمع ولا لأنفسهم سوى الإحباط ونشر ثقافة القنوط وانطفاء الآمال. والأفراد المتذمرون يعتبرون معول هدم في بناء الثقة والإصلاح وتحسين الحياة وتجاوز عقباتها، ذلك لأنهم لا يحددون المشكلة ولا يسبرون مسبباتها وأبعادها ولا يفكرون أصلاً في إصلاح شيء، ولكنهم يجيدون التذمر من كل شيء فحسب حتى ولو لم يعلموا تفاصيله، كما أنهم يستقبلون الفكر التشاؤمي ويناسبهم الخبر السلبي والشائعة التي يكون فيها نوع من التحطيم. ثقافة التذمر إذاً تعد ثقافة خطرة على المجتمع ومن يتعامل معها ومن يصاحب المتذمرين، وهي ثقافة تبدأ مع الطفل منذ النشأة يتخذها من تلقاء نفسه يجربها مع من حوله في الأسرة، ممن يملكون الحنان والحب له كالوالدين والأخوة وغيرهم، وبواسطتها يعبر عن مطالبه، لكي يستجاب له، كأن يقول: هذا الثوب واسع، والحذاء ضيق، والساعة قديمة، والمدرسة مزعجة، والطلاب فيهم وفيهم، والمعلمون، والمقصف. وكلما استجيب له دون وعي ودون تمحيص زادت الشكاوى والتذمر، وثبتت تلك الثقافة في تفكيره باعتبارها من الأساليب السهلة الناجحة التي توصله لمبتغاه دون جهد يذكر سوى التذمر. Your browser does not support the video tag.