تحدثت في آخر مقال عن أهمية الخطبة للبنت قبل الولد.. عن عدم الخجل والتردد وترك مستقبل بناتنا عرضة للحظ ومن يطرق الباب قبل الآخر.. قلت إن خطبة الرجل (للبنت) من سنن الأنبياء والصالحين، وضربت مثلاً بالسيدة خديجة التي خطبت لنفسها نبينا الكريم من خلال خادمتها نفيسة.. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد زوج ابنته رقية إلى عثمان بن عفان.. وحين ماتت زوجه بأختها أم كلثوم (حتى لقب بذي النورين).. وكان عمر بن الخطاب قد عرض ابنته حفصة على أبي بكر رضي الله عنه (بعد مصرع زوجها خنيس يوم أحد) فصمت ولم يجبه.. فعاد وعرضها على عثمان بن عفان الذي قال: بدا لي ألا أتزوج .. فانكسر خاطره وشكا حزنه إلى رسول الله الذي قال له: يتزوج حفصة من هو خير من عثمان، ويتزوج عثمان من هي خير من حفصة.. فتزوج الرسول حفصة، وتزوج عثمان أم كلثوم.. وقبل ذلك بكثير عرض شُعيب على نبي الله موسى تزويجه إحدى ابنتيه.. أدرك رغبتهما بالزواج حين قالت إحداهن «يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ» فقال لموسى صراحة «إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ».. أيضاً هناك سعيد بن المسيب الذي رفض تزويج ابنته للوليد بن عبدالملك، وزوجها لتلميذه الفقير كثير بن أبي وداعة.. فقد غاب «كثير» عن دروس سعيد، وحين حضر سأله عن السبب، فأخبره بموت زوجته.. فقال له: هل تزوجت بأخرى؟ قال كثير: ومن يزوجني وأنا فقير؟ قال سعيد: أنا أفعل.. فقام وقال لمن في المسجد: اشهدوا أنني زوجته ابنتي.. فعاد كثير إلى بيته فرحاً، وحين حل الظلام سمع طرقاً على الباب فقال: من؟ فأجابه: أنا سعيد.. يقول كثير: ففكرت في كل إنسان اسمه سعيد إلا سعيد بن المسيب ففتحت الباب فوجدته واقفاً وخلفه ابنته تحاذيه في الطول، فقلت يرحمك الله هلا أخبرتني فأحضر إليك، فقال سعيد: كرهت أن تبيت ليلتك بغير زوجة وقد عقدت على ابنتي.. فأدخلها، وأغلق الباب خلفها، فسقطت المرأة من الحياء.. قال كثير فخشيت أن يعلم الناس أن في بيتي امرأة، فقمت على سطح المنزل أنادي الجيران: اشهدوا أن سعيد بن المسيب زوجني ابنته وهي الآن في داري.. يقول فسمعتني والدتي فحضرت وقالت: بحقي عليك لا تمسها حتى أصلحها لك.. كل هذه القصص تشجعنا على أن نخطب لبناتنا قبل أبنائنا.. تؤكد أنها سنة الأنبياء والصالحين التي نالت بفضلها ابنة شعيب شرف الزواج من نبي الله موسى، ونال عثمان شرف الزواج بابنتي رسول الله، ونالت السيدة خديجة (ثم حفصة) شرف الزواج من خاتم الأنبياء والمرسلين. التحرج والتردد وانتظار من يطرق الباب أولاً يقلل فرص البنات في الحصول على الزوج المناسب (ويدخل كثير منهم تحت مظلة العنوسة).. إن كنت أباً أو شقيقاً وغلبك الحياء فتحدث مع إمام المسجد، وإن لم ترغب بمفاتحة زميلك الأعزب ابعث إليه مديرك في العمل، وإن لم تعرف شاباً مناسباً صارح أصدقاءك المخلصين ليخطبوا لابنتك من يعرفونه ويرضون دينه وخلقه.. أنا شخصياً سبق وأعجبت بأخلاق أحد طلابنا المبتعثين فقلت له صراحة: لو كانت ابنتي بسن الزواج لخطبتك من أهلك. Your browser does not support the video tag.