حين ظهرت الأزمة القطرية للعلن، توقعت أن تبادر القيادة القطرية للتصرف بشكل أكثر رزانة وتعقلاً.. توقعت أن تسعى لحل الأزمة (خلال الأشهر القادمة) من خلال الاعتراف بأخطاء الثلاثين عاماً الماضية.. توقعت أن تراجع حساباتها وترجح مصالح شعبها على مصالح شرذمة قليلة من قيادات الإخوان، ومرتزقة الشام، ومن هربوا من أوطانهم بعد خرابها.. غير أن الأزمة تفاقمت (ليس فقط بسبب إصرار قطر على مواقفها)، بل وبسبب المكابرة والتصعيد ضد دول المنطقة.. بدل أن تعتذر وتعترف أو حتى تدعي حسن النية تصرفت من خلال ردود فعل متعجلة وغير مخطط لها.. سارعت لإقامة علاقات كاملة مع إيران، واستدعاء القوات التركية لجزيرة العرب، رغم علمها بحساسية الشعوب الخليجية من التاريخ العثماني في المنطقة.. تطوعت لدفع تكاليف شحن الأسلحة الإيرانية للحوثيين في اليمن، وحاولت تملق أميركا بإنشاء قاعدة عسكرية جديدة قرب الحدود السعودية.. تواصلت مع اللوبي المؤيد لإسرائيل في أميركا (واستضافت قياداته في الدوحة على أمل تليين موقف ترمب ضدها) ولكنها لم تجن من ذلك غير استهجان العرب وسخرية القيادات اليهودية.. ردود الفعل المتعجلة تؤكد الطبيعة الصبيانية (والعنادية) لنظام الحمدين.. فصبيان السياسة هم فقط من يُصعدون المواقف ويتصرفون بعناد ويحاولون «رد الصاع صاعين».. دول المقاطعة لم تتخذ موقفها من نظام الحمدين إلا بعد تراكم دلائل الإدانة منذ انقلب الابن على والده العام 1995 .. لم تبدأ بالرد العلني والإعلامي إلا بعد 22 عاماً من الخطاب التحريضي الذي تزعمته قناة الجزيرة والقنوات الإعلامية المتعاونة معها.. قبل ظهور الأزمة للعلن كان تنظيم الحمدين يعتقد أن الذكاء السياسي يعني اللعب على كافة الحبال ومع كل الأطراف.. لم تكن هناك أهداف استراتيجية أو خطط طويلة الأمد، بل مجرد خوف دفين من الاستثناء وعدم الظهور في الصورة.. كانت قطر تقيم مثلاً علاقات سرية مع إسرائيل، ولكنها تقدم في نفس الوقت مساعدات إنسانية للفلسطينين.. تحتفظ بعلاقات ديبلوماسية مع إيران، ولكنها تساند الإمارات في موقفها من احتلال إيران لجزر طنب وأبو موسى.. تؤيد حملة السعودية ضد الميليشيات الانقلابية في اليمن (بل وتشارك فيها بحفنه من الضباط) ولكنها تسرب المعلومات العسكرية لجماعة عبدالملك الحوثي.. تعلن مساندتها لمصر (زمن الربيع العربي) ولكنها تحرض قناة الجزيرة ضدها وتستضيف القيادات الإخوانية المناوئة لها.. تؤكد في العلن سيادة الكويت ووحدة الأراضي السعودية، وفي نفس الوقت تحث صدام سراً على البقاء في الكويت وتؤكد للقذافي أن السعودية ستتفكك لدويلات خلال 12 سنة.. «إن أحيانا الله».. باختصار؛ تبنت قطر سياسة صبيانية وليدة اللحظة لا هدف لها سوى البقاء في الصورة بأي ثمن.. تبنت سياسة خلق الأزمات واللعب على كافة الحبال معتقدة أن في ذلك نوعاً من الذكاء (والفهلوة السياسية).. غرها حلم الملوك، وطول السكوت، وصبر القيادات السياسية في دول المقاطعة.. وحتى حين قرر «الحليم» الخروج عن صمته، كان نظام الحمدين أكثر غباءً من محاولة اتقاء شره أو استيعاب تداعيات الأزمة على مستقبل وجوده.. Your browser does not support the video tag.