المسؤولية الاجتماعية في مفهومها العميق، تعني استشعار الدور الذي يجب أن يؤدى تجاه المجتمع للارتقاء بمختلف جوانب حياته، والتصدي للمشكلات التي قد تجابهه لتنقله إلى حياة أفضل. وقد تطرق كثير من الكتاب والباحثين لثقافة المسؤولية الاجتماعية، وأهدافها وأخلاقياتها، وما يجب عمله تجاه المجتمع من خلال العديد من المحاور، أهمها: ترسيخ مفهوم المسؤولية الاجتماعية في عقول النشء من خلال المناهج الدراسية ليتعود الطلبة على ممارستها تجاه مجتمعهم منذ الصغر، وتشجيعهم على إعداد البحوث المدرسية، وتكريس ذلك المفهوم أيضا في التعليم الجامعي وإعداد الندوات وورش العمل، والبحوث الجامعية للتوعية بأهمية المسؤولية الاجتماعية. للمسجد دور كبير في تفعيل الفضيلة الإسلامية قبل أن تكون تقليدًا أو تنفيذًا لاتفاق عالمي كما أن رسالة المسجد مهمة في هذا المجال، فبالإمكان توجيه خطباء المساجد للتطرق إلى المسؤولية الاجتماعية، وإقامة الندوات والمحاضرات من منطلق ديني، إضافة لتفعيل دور القطاع العام والخاص في المسؤولية الاجتماعية من منطلق وطني. ويفضل اقتراح جائزة سنوية يكرم من خلالها الجهات الرائدة في هذا المجال، ما سيكون له تأثير ايجابي لدى المجتمع بشكل عام. تأصيلها في التعليم ويجب أن يكون لوزارة التعليم جهود كبيرة في تأصيل المسؤولية الاجتماعية في نفوس الناشئة، وتفعيل ساعات النشاط، لإعطاء مساحة جيدة لتفعيل ثقافة المسؤولية داخل أروقة المدارس، للوصول للمجتمع عامة، وترسيخ القيم الاجتماعية البناءة، لتعزيز مفهوم المواطنة، وخدمة قضايا التربية والتعليم، كما يجب توجيه النشاط المدرسي، بحيث يؤدي إلى تعليم الأساليب السلوكية الاجتماعية المرغوب فيها، ليحرص الطالب والطالبة على التفاعل والمشاركة مع مجتمعاتهم، ليسهموا في بنائه وتطويره، وبخاصة في المحيط، الذي يعيشون في كنفه، ما سيكون سبباً في أحداث التغيير الإيجابي داخل هذه المنظومة المجتمعية. على القطاعات تحمل مسؤوليتها تجاه مجتمعها وأن لا تقابل جهود الدولة نحوها بالجحود ولابد من عقد ملتقيات تعنى بالمسؤولية الاجتماعية بهدف التعريف بمفهوم الشراكة للجمهور ونشر ثقافة المسؤولية الاجتماعية لترسيخ دعائم المشاركة، وعرض أهمية الملتقيات كركيزة من ركائز المجتمع لتنظيم وتنسيق أفراد المجتمع في المسؤولية المجتمعية يداً بيد ليساهم الطلبة في تقدم الوطن ورقيه ما يحتم عليهم التفاعل والمشاركة بأهمية دور المؤسسات الاجتماعية، والسعي لتحقيق الدعم والتكامل بهدف المبادرة بالارتقاء إلى الشراكة في المجتمع المحلي وهذا ما يدعو لأهمية الاستثمار في التعليم وتزويد الطلبة بمهارات حياتهم، وتنمية ثقافتها في نفوسهم. ولا يقتصر ذلك على التعليم العام فقط بل يجب أن يمتد أثره إلى التعليم الجامعي، يقول د. يوسف القبلان - تربوي – : إن الجامعات بحكم طبيعة عملها وأهدافها ورسالتها ودورها المؤثر في المجتمعات يفترض أن تقوم بدور ريادي في مجال المسؤولية الاجتماعية. وهذا يتطلب إيجاد إدارة أو لجنة ترتبط تنظيميا بالإدارة العليا تسند لها مهام المسؤولية الاجتماعية وتحقيق أهدافها. من أمثلة هذه الأهداف ما يلي: دعم برامج ومشروعات التنمية المستدامة، التفاعل مع قضايا المجتمع المختلفة واحتياجاته، التعاون مع الجمعيات الخيرية في المجتمع، الالتزام بالمسؤوليات الوطنية. ويمكن تحقيق تلك الأهداف من خلال البرامج والأنشطة التالية: إعداد الدراسات والبحوث التي تخدم قضايا المجتمع، وتمويل ودعم البحوث التي تتفق مع احتياجات المجتمع، والاهتمام بالبيئة وخدمتها وتحسين ظروفها، وتبني برامج تدريب وابتعاث لاستقطاب الشباب وتأهيلهم للعمل، ودعم البرامج الخيرية والإنسانية، وتوجيه خدمات وأنشطة وبرامج لخدمة ذوي الاحتياجات الخاصة، وتصميم وتنفيذ برامج للتوعية والتثقيف في قضايا المجتمع المختلفة، والمشاركة في المناسبات الوطنية، والمشاركة في اكتشاف المواهب ورعايتها، والتكيف مع احتياجات سوق العمل، ومشاركة الطلاب في فعاليات المجتمع المختلفة. وعلى مستوى المسؤولية الاجتماعية لمجتمعها الداخلي يفترض في الجامعات إيجاد بيئة عمل ايجابية لكافة منسوبيها تساهم في تحقيق الرضا الوظيفي وتحفز على الانتاجية والابداع وتعزيز عنصر الانتماء. المنطلق الديني وللمسجد دور كبير في تفعيل دور المسؤولية الاجتماعية لدى أفراد المجتمع من خلال: تقوية ارتباط النشء وتجسيد دور الجماعة، وغرس المحبة والألفة والتعاون والتناصح، وهذا ما يؤكد دور المسؤولية الاجتماعية في الإسلام وأنها فضيلة إسلامية، استجابة لأمر الله – سبحانه وتعالى - ولأمر رسوله - صلى الله عليه وسلم- قبل أن يكون تقليدًا أو تنفيذًا لاتفاق عالمي أو دعوات من نظم مستوردة. ودور منبر المسجد مهم لاستثمار الخطب لتوجيه أفراد المجتمع نحو مسؤولياتهم وواجباتهم والمحافظة على أدائها في منظومة العمل الاجتماعي، وتعزيز انتماء الفرد المسلم إلى وطنه والمحافظة على أمنه واستقراره، والعمل على توطيد مبدأ التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع، نشر الوعي بعظم المسؤولية للفرد والأسرة وأفراد المجتمع تجاه أنفسهم وتجاه وطنهم وأمتهم والإنسانية أجمع. كما أن ديننا الإسلامي يؤكد على أهمية المسؤولية الاجتماعية من خلال الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة الصريحة الواضحة في هذا الجانب . قال تعالى: وتعانوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان. وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلكم راع ومسؤول عن رعيته، فالإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل في أهله راع وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسؤولة عن رعيتها، والخادم في مال سيده راع وهو مسؤول عن رعيته. قال فسمعت هؤلاء من النبي صلى الله عليه وسلم، وأحسب النبي صلى الله عليه وسلم قال: والرجل في مال أبيه راع ومسؤول عن رعيته، فكلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته. الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 2558 دور القطاعات وبما أن المسؤولية الاجتماعية تعد واحدةً من أهم دعائم الحياة المجتمعية الضرورية، حيث إن القيمة الحقيقية للقطاعات العامة والخاصة تقاس بمدى تحملها للمسؤولية تجاه مجتمعاتها، لذلك لا بد من أن تعمل على بث الوعي بأهميتها ووضع البرامج الكفيلة بترسيخها، ولابد أن تتبوأ تلك القطاعات مكانتها في تفعيل المسؤولية الاجتماعية بشكل تنظيمي ومؤسسي له خططه وأهدافه والبعد عن العشوائية، لأن المسؤولية الاجتماعية لهذه القطاعات أصبحت ضرورة ملحة اجتماعيا واقتصاديا، إلى جانب كونها ضرورة إنسانية، عملاً بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى). وهنا يتضح أن المسؤولية الاجتماعية ليست عملاً خيرياً بحتاً بل والتزام أخلاقي من تلك القطاعات للمساهمة في تنمية وتطوير مجتمعها، فرقي المجتمعات يقاس بمدى نمو قطاعاته وأفراد ومدى إحساسهم بتلك المسؤولية التي تفرض التعاون والالتزام والتضامن والاحترام والحب وحسن المعاملة والمشاركات الجادة. لذا يجب أن تدرك تلك القطاعات وأهمها القطاع الخاص أهمية الدور الاجتماعي فليس من المعقول أن تتمتع كثير من المؤسسات والشركات بالتسهيلات والدعم وتقابل ذلك بالجحود فلا تساند جهود الدولة بتحمل جزء من مسؤوليتها تجاه المجتمع. ويرى خالد الدوس - باحث أكاديمي - متخصص في القضايا الاجتماعية - أننا نحتاج إلى نشر ثقافة المسؤولية الاجتماعية بمفهومها القيمي والحضاري في نسيجنا المجتمعي لنرى أثرياءنا يهرولون في مضمار المسؤولية الأخلاقية وأهدافها النبيلة بدوافع دينية وإنسانية، ووطنية، فالتكافل الاجتماعي من أهم أسس الاقتصاد الإسلامي. ولكي تتحقق الفائدة من تفعيل المسؤولية الاجتماعية في القطاعين العام والخاص فإنها تستلزم الاستدامة، حيث يقول الدكتور مشاري النعيم: أن من أسس المسؤولية الاجتماعية هي "الاستدامة" وأنا هنا لا أقصد التنمية المستدامة بمفهومها المتعارف عليه، بل أقصد "استدامة التنمية" التي تحدثها المسؤولية الاجتماعية، وهو الأمر الذي يعني بشكل أو بآخر ان يكون العمل متكاملا لا يقف عند حدوده الأولى بل يجب أن يكون هناك ضمان لاستمرار المشروعات التي يساهم بها أفراد المجتمع. التخطيط للمسؤولية الاجتماعية غالبا ما يكون نتيجة للصدق وللإحساس العميق بقيمة العطاء وبقيمة تنمية المجتمع تنمية حقيقية. ومن المهم تطوير برامج المسؤولية الاجتماعية، وإيجاد مرجعية تنظيمية لجهودها، بحيث يكون من ضمن مهامها ومسؤولياتها، الإشراف على تنفيذ برامج المسؤولية الاجتماعية، إلى جانب قياس أثرها المجتمعي، وإيجاد نظام حوافز يكافئ الجهات الأكثر نشاطاً في مجال برامج المسؤولية الاجتماعية مقارنة بغيرها. د. يوسف القبلان د.مشاري النعيم خالد الدوس Your browser does not support the video tag.