التطور حالة طبيعية في حياة الفرد والشعوب، وهو انتقال فطري ألفه الإنسان، وعاشه من بداياته على هذه الأرض تدفعه احتياجاته إلى تحولات جديدة تتناغم مع مُضي الزمان، وتطور المكان، وظهور ثقافة جديدة، وأدوات مناسبة لكل حقبة، والركون لحالة واحدة هو ضد النمو الطبيعي للمجتمعات، وعائق للمضي قدماً، والعمل للمستقبل. والتعلق بالماضي على المستوى الشخصي، أو على مستوى الشعوب هو قتل للحاضر؛ بل وللمستقبل، وعيش خارج الزمن، ولحظاته. والعرب من أكثر الأمم بكاءً على ماضيها، فهي أمة يأسرها الماضي، ويعج موروثها بالبكاء عليه؛ وهذا محمود غنيم يحاكي هذا الواقع في أحد أبياته: ويح العروبة كان الكون مسرحها ** فأصبحت تتوارى في زواياه ولاشك أن الإسلام أثر على العقلية العربية، وخلصها من التعلق بالماضي، أو ما يُعرف (بالنوستالجيا) وهي التعلق بالماضي بأحداثه، وشخصياته؛ وقد بث الإسلام في العقلية العربية روح الحاضر، وإشراقة المستقبل، ولم يربط مصيرها بماضيها، وأسس لها حضارةً تفتخر بها تفوقت على حضارات عريقة تُزاحمها التاريخ آن ذاك، وهما الحضارتان الفارسية، والبيزنطية (الرومانية). وعاشت الأمة الإسلامية الحاضر بكل تفاصيله، وانتقلت من قبائل متناحرة تفخر بحروبها، وقتل بعضها البعض إلى أمة متحضرة تفخر بدينها، وأخلاقها، وعلمها، وإنجازاتها الحاضرة، وأخرجت علماءً كباراً تحت مظلة الإسلام بعد أن تركت ماضيها خلفها(تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولاتسألون عما كانوا يعملون) إلا أن هذا التباكي على الماضي، والانصراف عن الحاضر مازال له باقٍ نشاهده اليوم في الحراك العربي سواء الحراك النخبوي، أو على المستوى الشعبي؛ فتجد من يتكِئ كثيراً على أمجاد الماضي، وبطولاته، ويقلب صفحاته التي لا تأتي بجديد، ويترك الكتابة على صفحات الحاضر وصناعة محتوى جديد. إن التعلق بالماضي، واجتراره إذا لم يكن حافزاً للعمل، والتفوق؛ فهو مدعاة للتراخي أما الحاضر؛ فهو الركيزة الأساسية لنهضة الأمم؛ فأميركا اليوم تعد بلا ماضٍ، أو حضارة على الأقل بمفهوم الثقافة العربية؛ فعمرها اليوم لا يتجاوز مئتين وخمسين سنة، وهي اليوم تقود العالم سياسياً، وعلمياً، واقتصادياً. إن العقل العربي لم يستوعب بعد أن الأدوات التي صنعت له ماضياً لا تستطيع اليوم أن تصنع له حاضراً؛ فالحاضر له أدوات مختلفة عرفها الغرب، وبنى منها حضارته، لقد بنى الغرب حضارته بسلاح واحد فقط هو العلم؛ فتفوق علينا بجميع مناحي الحياة، إن نقل بوصلة الاتجاه من الماضي إلى الحاضر هو بداية الخروج من فوبيا فقدان الهوية، والإحساس بالتقصير إلى التوازن بين التمسك بأصالة الماضي، والتعايش مع تغيرات الزمان؛ وليعلم كل ذي عقل أن في كل التفاتة للماضي غفوة عن الحاضر، والمستقبل. Your browser does not support the video tag.