لا شك أنه من الطبيعي أن يتعرض الكثير من الجهات والمنشآت والأشخاص إلى النقد والإساءة والتشهير بصور وأساليب مختلفة، وقد يحدث ذلك غالباً في شكل النقد البناء الموجه للتصرفات والأخطاء بحسن النية بعيداً عن قصد الإساءة، وفي حالات محددة تكون الإساءة مقصودة ضد شخص أو جهة معينة، نتيجة ما يعرف بالهجوم الإعلامي المنظم لتحقيق أهداف خاصة، وقد تأتي الإساءة كنوع من الرد على شخص ينتمي لهذه الجهة، وهنا يجب التفريق بين حق الشخص في التعبير عن رأيه الشخصي المجرد أو بصفته عضواً في هذه الجهة، وهذه مسألة تنظيمية تتطلب منع طرح أي موضوع يمثل رأي وقناعة شخصية على اعتبار أنه يمثل رأي الجهة، ويفترض بأي منشأة تتعرض للإساءة في النشر أن تطلب حق الرد الذي كفله لها النظام، فإن امتنعت وسيلة النشر عن تصحيح الخبر أو عدم تمكين المنشأة من حق الرد فيمكن للمتضرر التقدم بدعوى بحسب الاختصاص وفق طبيعة التكييف القانوني لموضوع النشر باعتباره يدخل ضمن مخالفات النشر أو الجرائم المعلوماتية. ونعتقد أن وسائل الإعلام والمطبوعات والصحف الورقية والإلكترونية المختلفة تعتبر منشأة مرخصة تخضع لأنظمة المطبوعات والنشر لممارسة أنشطة نقل الأخبار والأحداث والآراء وغيرها، وهذا عمل مشروع لا يقصد به الإساءة والإضرار بالآخرين في الأصل، وغالباً ما يكون نشر الآراء على صورة نقد موجه إلى الأخطاء والتصرفات دون المساس بالأشخاص أو الجهات، وفي حال وجود خطأ أو إساءة في النشر يحق للمتضرر من ذلك التظلم أمام لجان النظر في مخالفات أحكام نظام المطبوعات والنشر للمطالبة بالتعويض ومعاقبة الناشر وإلزامه بالاعتذار، وفي حال كان النشر يسيء للدين الإسلامي أو يمس مصالح الدولة العليا أو بعقوبات يختص بنظرها القضاء فعلى اللجنة إحالتها بقرار مسبب إلى الوزير لرفعها إلى الملك - حفظه الله - للنظر في اتخاذ الإجراءات النظامية لإقامة الدعوى أمام المحكمة المختصة أو اتخاذ ما يراه محققاً للمصلحة العامة. ومن جهة أخرى يعتبر التشهير بالآخرين وإلحاق الضرر بهم مادياً ومعنوياً عبر وسائل تقنية المعلومات المختلفة جريمة معلوماتية يتوفر فيها أركان الجريمة ويستدل على القصد الجنائي بتعمد الإساءة والتشهير من خلال طبيعة الجريمة وطريقة تنفيذها والغرض منها والأدوات المستخدمة فيها وآلية الحصول على المعلومات بطريقة غير مشروعة وغيرها، ويتطلب إثبات جرائم التشهير وجود خبرات متخصصة وأجهزة تقنية وأنظمة متطورة في مجال وسائل تقنية المعلومات لمعرفة طريقة حدوث وكيفية ارتكاب الجريمة، وهذا النوع من الجرائم متى ثبتت إدانة الجاني عن طريق الأدلة الرقمية وعناوين الأجهزة المستخدمة للدخول إلى شبكات الهاتف والإنترنت والحسابات الموثقة والقرائن المرتبطة بها، ففي هذه الحال يصعب الإفلات من العقوبة. ونخلص إلى أن أصل الجريمة يعتبر الأساس الذي يعتمد عليه لتكييفها حتى وإن اختلفت الوسائل المستخدمة فيها، فمثلاً جريمة القذف من الجرائم المحددة صورتها وعقوبتها وكذلك جريمة السب معرفة تعريفاً عاماً وترك للقاضي تقدير عقوبتها التعزيرية، وكانت سابقاً تصدر بشكل شفهي وفي الآونة الأخيرة قد تحدث بطرق متعددة وتبقي الجريمة على أصلها وإن اختلفت وسائلها، ونعتقد أنه مع تطور وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي أصبحت الجرائم والمخالفات المتعلقة بالنشر والتشهير تمر بمراحل وتغيرات نتيجة تطور وسائل وأدوات وطبيعة الجريمة وما يصاحبها من اختراقات محتملة وتزوير للمعرفات والأدلة الرقمية وصعوبة توثيق هذه البيانات مما تقوم الحاجة معه إلى ضرورة إعادة تكييف هذه الوقائع المتجددة وتحديدها بشكل واضح يمنع الازدواجية أو التوسع في تفسير النص الجنائي، ويضمن في الوقت نفسه معاقبة الجناة وإرضاء حاسة العدالة في المجتمع. Your browser does not support the video tag.