في الوقت الذي أعلنت فيه هيئة الرياضة قرارها إجراء مسابقة للعبة البلوت أصدر سماحة الشيخ صالح الفوزان تحريمه لهذه للعبة بجائزة أو من دون. لا أعرف أيهما سبق الآخر ولكن هذا لا يهم. هذان الحدثان المتناقضان في ظاهرهما هما في الواقع حدثان منسجمان. قرار الهيئة قرار رسمي يعبر عن إرادة الدولة وتوجهها وقرار الشيخ الكريم رأي فقهي يستحق الاحترام. لا يوجد أدنى تصادم أو تعارض بين القرارين. فكرة التصادم بين الآراء المختلفة هي كارثة ثقافية اكتسبناها من السنين التي أغلقت فيها الفتوى أبواب الحرية وأصبحت هي الرأي الثقافي والعلمي والديني ويجُب ما سواه. في ذلك الزمن قيل لنا ورسخ في عقولنا أن الفتوى هي الدين. عملت الدعاية الصاخبة على مسح المسافة بين كلام الشيخ كرأي فقهي وبين الدين كما نزل على رسولنا الكريم. فاستولت الفتوى على كل منافذ الرأي والوعي. بهذا الحضور لقرار هيئة الرياضة ورأي الشيخ نكون انتقلنا إلى فضاء الرأي والرأي الآخر الذي يسع الجميع. إحساس الاختلاف لا التصادم والتباغض. الفتوى رأي فقهي أياً كان صاحبها. كلام سبق أن عبرت عنه وسوف أكرره مرات أخرى: من حق المرء أن يأخذ بالفتوى أو يتركها وأن ننصاع لها عندما يقرها مشرع الدولة كقانون. الفتاوى تتعدد وتتنوع وتتناقض من شيخ لآخر لكن مهما بدت الفتوى غريبة لا تقلل من قيمة صاحبها. ما يجب أن نتصدى له بالنقد تلك الفتاوى التي تنطوي على بعد سياسي أو تدخل في شؤون الدول الأخرى أو التي تؤثر في السلم الاجتماعي أو التي تحرض على فئة من فئات المجتمع أو تلك الفتاوى التي تصدرها جهة رسمية دون تدبر كإغلاق الدكاكين وقت الصلاة أو فرض لباس محدد على النساء أو الرجال. فتوى الشيخ الفوزان في مسألة البلوت درس مفيد جاء في وقته. نموذج للفتوى المسالمة التي لا تصيب بضرر وقد تكون صائبة. الله أعلم من حق الناس أن يسمعوا رأي كاتبهم المفضل أو مفكرهم المفضل أو فيلسوفهم المفضل وشيخهم المفضل على قدم المساواة. هذا ما يجب أن يؤمن به كل من يؤمن بحرية الرأي. لا نريد أن ندير الطاولة ونضع لها رأساً جديداً يتحكم في الرأي ويوجهه ويسيطر عليه. علينا أن نسارع إلى دفن تسلط الصحوة مع جثة الصحوة. لا أن نحدثه ونلبسه ثياباً ليبرالية. Your browser does not support the video tag.