كثيرةٌ هي الدعوات التي تُشغّبُ على الكون ونظامه؛ فتجعلُ أسبابَ العبورِ إلى الكون نفسهِ أو إلى ما وراء الكون متعذرةً أو فوضويةً، فهي تضربُ جذورَ النظامِ الكوني البديع بمعول شرها، وتحاول استبدال طبيعة الكون بطبيعة فارغة المعنى؛ إذْ هي تسعى حثيثة في نزع يد الإله من تدبير الكون. وهي بهذا الفعل تصطدم بنظامٍ متناغمٍ حملَ الجمالَ بكل معنى في جميع أجزائه الواقعية. ولكي لا نُكثر من العموميات المجردة فلنأت على مبدأ من مبادئ العقل الفطرية ونأخذ بعين الاعتبار مفاد هذا المبدأ والذي يقول: إنَّ لكل حادثة مُحدثاً أو لكل نتيجة سبباً؛ فما من ظاهرة من ظواهر الكون إلا ولها تفسير عقلي يقضي بالحقيقة التي تقول: إنّ لكل معلول علة. أو ليس العالم - والعالم الحديث بالذات بكل تقنياته - معتمدًا على هذا المبدأ وقائمًا عليه؟! إنَّ القول بالفوضى لظواهر الطبيعة يتلاشى ذكره عند حضور هذا المبدأ في علاقاته المنطقية التي تفسر لنا ارتباط هاته الظواهر ببعضها. ولعل الوظيفة السكرية للكبد التي أشار إليها كلود برنار - عالم الطب في عصره، والذي جمع في تجربته هذه بين الفكر النظري والعملية التجريبية - تمثل نموذجًا لحالة السبب والمسبب ومدى انتظام هذه النتيجة وفْقَ مبدأ السببية المذكور آنفًا. وليست القضية قضية هذه العلاقات القائمة بين الأشياء في الكون فحسب؛ إنّما القضية تكمن في ذلك التسلسل العلّي الذي لا يمكن عقلًا أن يمضي إلى ما لا نهاية، بل ينتهي إلى إله حكيم جعل المعرفة القبلية في فطرة هذا الإنسان؛ ليحكمَ بها على هذه الظواهر الكونية المتعددة، ويدركَ أنَّ هذه العلاقات السببية لها غايات مقصودة وأنَّ عالم الوجود عالم يشكل وحدة متماسكة قائمة على الارتباط السببي.. هذه هي القضية الكبرى التي يؤمن بها الموحدون. ألم يقلْ الفيلسوف النقدي «إيمانويل كانت» مؤكدًا على الفعل الإلهي في تدبير الكون: (شيئان يملأن قلبي بالإجلال والإعجاب المتجددين المتعاظمين على الدوام كلما أمعنُ التأمل فيهما: السماء المرصعة بالنجوم من فوقي، والقانون الأخلاقي في داخلي). وقال تعالى في هذا المعنى وهو أصدق القائلين: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ). Your browser does not support the video tag.