يقول عالم الاجتماع الفرنسي ميشيل مافيزولي" إن المسعى الجمالي يقنع بوصف الأشياء وهي تنمو وتورق انطلاقاً من ذاتها ".. انطلاقاً من فهم المنطق الداخلي للأشياء أحاول جاهداً تشريح جاذبية القراءة وهذا المسعى التأملي يُلهمنا فهم تدفق الأشياء وكيفية تحركها ويمدنا بزوايا نظر جديدة . إن نجم المعاني حين يُضيء سماء حياتنا يظللنا بإشراق ونور ينبعث من ذلك التأمل العميق في فهم سيرورة الحياة . حاجتنا ماسة لامتلاك عين تأخذ الحياة كدهشة متناسلة كي نصل لمناطق جديدة من المعرفة والتألق الفكري على الجانب الشخصي والمجتمعي . يوجد رابط مشترك بين القراءة كاتجاه معرفي وبين حاجات النفس البشرية ,وهذا بدوره يجعل للقراءة نداء خاصاً ومذاقاً مختلفاً, ونداء القراءة الملح يلبي هذه الحاجة الداخلية, إنه هناك منغرس في شغاف النفس, لنعبر عنه –مثلاً- بالجوع الشديد للمعرفة. اذاً فإن من يقرأ – بما أنها وسيلة أساسية للتعلم- سيكون متناغماً مع ذاته ومتصالحاً معها . جاذبية عالم القراءة شيء مشترك بين بني البشر في كل زمن, فحين يبرز الجاحظ في العصر العباسي كعاشق للكتاب , ويهتف له بطرائق وأساليب مختلفة, يأتي في زمننا هذا مثقف أرجنتيني يبتهج بالكتاب كثيراً,يُدعى (ألبرتو مانغويل) صاحب الكتاب المشهور " تاريخ القراءة" ,وكتاب" المكتبة في الليل" وغيرها . في الأسطر التالية نقولات متنوعة عن الهتاف الكبير للكتب والكتاب والقراءة لنفحص سر هذا الاندفاع وهذا الشغف . يقول الجاحظ" والكتاب هو الجليس الذي لا يطريك ، والصديق الذي لا يغريك ، والرفيق الذي لا يملك ، والمستميح الذي لا يسترثيك ، والجار الذي لا يستبطيك ، والصاحب الذي لا يريد استخراج ما عندك بالملق ، ولا يعاملك بالمكر , والكتاب هو الذي إن نظرت فيه أطال إمتاعك، وشحذ طباعك، وبسط لسانك، وجود بنانك، وفخم ألفاظك". يقول مانغويل" القراءة ضرورية للحياة مثل التنفس". ويقول أيضا "يعتقد كل ولوع بالكتب أن الكتب تفسر الحياة". إن التحايا الحارة التي تكتب وتدون في كل زمن عن الكتب والقراءة كثيرة ومتعددة, وما سبق نماذج قليلة من ذلك الولع بالكتب. وكلها تبرهن على وجود جاذبية ذاتية للقراءة. إن عناصر الفضول والشغف والجوع للمعرفة بذور نتغذى من خلالها على الحياة, وهي خصائص ركبها الخالق فينا لتكون سفناً تتيح لنا القدرة على الانتقال والترحال في بساتين الحياة المتعددة. إن منطق جاذبية القراءة متنوع سواء فيما يتعلق بها أو بمن تعلق بها, وإذا أردنا التركيز على جاذبيتها الذاتية وجدنا علاقتها الأساسية بالعقل كونها توسع العقل وتنميه, وقدرتها على تهيئة بيئة خصبة للتألق الروحي والنفسي والفكري , بالإضافة إلى خاصية مهمة للكتب وهي عطاؤها الكثير والمتعدد وبلا حدود, وإذا انعطفنا لجاذبية كتب الروايات على سبيل المثال , سنجد أنها تُسقي الخيال وتُتيح المحاكاة, ويعيش الانسان في عالم جديد يرى من خلاله الحياة بعيون جديدة. وهكذا كلما تأملنا في منطق جاذبية القراءة ستنتصب أمامنا أسرار كثيرة. ومن يريد أن ينجذب إلى القراءة, فالبذور موجودة تحتاج لهمة واستعداداً, ينسب لابن سينا قوله : المستعد للشيء تكفيه أضعف أسبابه ". ختاماً : تبقى جاذبية القراءة نداء داخلياً مُلحاً, بذرة تريد أن تتنفس وتنمو وتثمر. Your browser does not support the video tag.