في الأسبوع الماضي تصدرت «العباءة النسائية» منصات التواصل الاجتماعي عند السعوديين، وذلك بعد حديث فضيلة الشيخ عبدالله المطلق (عضو هيئة كبار العلماء)، عندما قال: «إنه لا يجب إلزام النساء بالعبايات، لأن مقصود الشرع هو «الستر»، سواء بالعباءة أو بغيرها» مضيفاً «أن 90 % من المسلمات المحتشمات في العالم الإسلامي لا يرتدين العبايات ولا يعرفنها»، المفارقة ليس أن الحديث حول العباءة أصبح أهم من الحديث عن (دويلةٍ ما)، بل المفارقة الغارقة في غياهب الدهشة أن المؤيدين والمعارضين، الشاتمين والمتعاطفين، والشامتين أيضاً، كلهم من الرجال، رغم أن الحديث كان عن العباءة النسائية، حتى خلت أنني أسمع أحد الأسود يزأر (إلا عباتي ما أخليها). ويروي كبار السن أنه في السابق كان يطلق اسم (العباة) وهي تصنع من (وبر الإبل) وهذا بالطبع سيجعل لونها غير موحد، أما العباءة بشكلها الحالي فتشير كثير من المصادر أنها وصلت للجزيرة العربية إبان الحكم العثماني، ثم قام الشاعر الدارمي بأقوى إعلان تجاري عبر تاريخ العرب إذ ما يزال تأثيره باقياً الآن، بل من شدة قوة وتأثير هذه الإعلان أنه بقي بوجدان الناس وتناقلوه وأصبح كأنه حكم شرعي، أما قصة هذا الإعلان فتقول القصة: إن تاجراً كوفياً قدم من العراق إلى المدينةالمنورة وكانت بضاعته مجموعة من الخُمُرِ من كافة الألوان، ولأن الناس تحب الألوان الذي تبعث الانشراح والحياة فقد نفذت الخُمُر من جميع الألوان عدا اللون الأسود، وهذا ما جعل التاجر يستعين بدهاء صديقه الشاعر الدارمي الذي عُرف عنه العزل، ورغم أن الشاعر الحجازي الدارمي قد تنسّك وترك الغزل إلا أنه وعد صديقه التاجر أن يجعله يبيع كل الخُمُر السوداء الكئيبة، فكتب بيتين من الشعر يقول: قُلْ للمليحةِ في الخِمارِ الأَسودِ ماذا فَعَلْتِ بناسِكٍ مُتَعبِدِ قدْ كانَ شَمّرَ للصلاةِ ثيَابَهُ حتى وَقفْتِ لَهُ بباب المَسجدِ انتشر البيتان وتغنّى بهما أهم مغنيي المدينة آنذاك (سريح وسنان)، وشاع بين الناس أن الدارمي رجع عن تنسكه وهام في صاحبة الخمار الأسود، وبهذا لم تبق امرأة لم تشترِ خماراً أسود، وهكذا استمر الحال بحفيدات النسوة حتى ظنت الأجيال من بعد ذلك أن كل لون غير الأسود حرام، بل وصل بالبعض أن يهرع لكتب التراث علّه يجد مخرجاً لهذا المأزق، فمن الطبيعي أن تقبل شخص فكرة أنه كان ضحية لإعلان تجاري عمره مئات السنين، ولهذا هو يبحث عن أي مبرر منطقي ليقنع نفسه أنه لم يكن ساذجاً طوال هذه السنوات!. Your browser does not support the video tag.