لم تقترن مفردة "حاد" إلا وجلبت معها أسوأ التوقعات بكل المفاهيم الاقتصادية المعمول بها، ولا يتأتى ذلك إلا عبر المسبّبات غير المباشرة غالباً لضعفٍ في الإدارة أو ما شابه ذلك، وقد يكون مباشراً في حالة واحدةٍ فقط، وهي أن تكون دولة الملالي "إيران" جزءا في هذه العملية، فميزانيتها الأخيرة للعام الحالي 2018م تركزّت بقضّها وقضيضها على التوجّه نحو التخفيض الحاد للدعم الحكومي، والأمر دون من أراد أن يذّكر أو أراد شكوراً، ولا خلافه أمامَ مُصِرٍ على سواه إلا ببرهانٍ إن كان من الصادقين. وبتوضيح تَبِعاتِ هذا الخفض الحاد تشير النتائج الأولية إلى أن الطبقة المتوسطة من الشعب الإيراني تتعرض لعملية سحقٍ اقتصادية، وفتح أبواب الفقر والبطالة لتمثّل نصف المجتمع فيما يمثل النصف الآخر طبقة الأثرياء، وهذه المرحلة اقتصادياً غير صحية وخطيرة على المجتمعات؛ كون هذه الطبقة تعدّ الركيزة الأساسية للحركة الاقتصادية والثقافية ومحرّك أول لنتاج الدول. في ذات الشأن قال خبير الأمن الإستراتيجي عمر الرداد "تؤكد الموازنة الجديدة لإيران فشل سياسات السلطات الإيرانية، وذلك باعتراف الصحافة الإيرانية الموالية للرئيس روحاني التي أكدت أن دخان النيران التي أشعلتها الموازنة سيسيل دموع الشعب الإيراني، فيما أشارت صحيفة كيهان الموالية لمرشد الثورة أن رفع أسعار الخدمات من كهرباء ووقود سيسحق الطبقة الوسطى ويمهد الطريق للفقر والبطالة، ومن الملفت للنظر زيادة الموازنة العسكرية وخاصة للحرس الثوري (حجم الزيادة للمؤسسة العسكرية 86 % نصفها للحرس الثوري) ومخصصات رجال الدين وهو ما يعني مواصلة إصرار القيادة الإيرانية على نهجها في سياسات تصدير الثورة ومشاريع إيران التوسعية، وتجاهل المطالب الشعبية والانتفاضة القائمة حتى اليوم في مدن متفرقة إيرانية". وأضاف بقوله إنه من المؤكد أن إصرار القيادة الإيرانية على سياساتها والرسائل التي تضمنتها الميزانية الجديدة ستزيد من حالة الاحتقان في الشارع الإيراني، وتؤسس لثورة جديدة لن ينفع معها توجيه الاتهامات لقوى دولية أو إقليمية بالوقوف وراءها، كما لن تنفع معها أساليب القمع، فالمتظاهرون في المدن والأرياف الإيرانية مازالت حناجرهم تصدح برفض القيادة الإيرانية متشددين وإصلاحيين. بدوره قال المحلل الاقتصادي فضل البوعينين إن الوضع المالي للنظام الإيراني متردٍ جداً ومن المتوقع أن يزداد تأثراً سلبياً بالخطوات الأميركية ضده ونظامه، وأعتقد أن فرض عقوبات اقتصادية على إيران مسألة وقت ليس إلا نظراً للخروقات المتنوعة التي يرتكبها النظام. وأوضح أن خفض الدعم الحكومي جاء نتيجة لانخفاض الدخل وتوسع الإنفاق على التنظيمات الإرهابية في الخارج، ومنها تأثر الشعب الإيراني بشكل مؤلم لأسباب مرتبطة بإرهاب النظام وتبذيره للأموال على التنظيمات الخارجية في لبنان واليمن وغيرهما، وأنه لم يعد هناك طبقة متوسطة في إيران؛ حيث تقلصت بشكل كبير لمصلحة الطبقة الفقيرة التي ازدادت توسعا وعمقاً بشكل غير مسبوق، لذا يمكن ملاحظة الثراء الفاحش لدى قادة النظام والحرس الثوري كنتيجة مباشرة للفساد المالي والسيطرة على مقدرات الشعب يقابله فقر مدقع لانعدام العدالة المجتمعية. وبيّن البوعينين أن هناك تحولاً مجتمعياً غير مسبوق بدأ بالضغط على النظام والخروج عليه وهذا لن يتوقف حتى وإن تم قمعه، حيث اشتعلت جذوته ولا يمكن إطفاؤها، فلا يمكن للإيرانيين العيش داخل سجن النظام المظلم في نفس الوقت الذي تطورت فيه الشعوب المجاورة التي تستظل بحكومات جعلت جلّ اهتمامها التنمية والتحوّل الإيجابي. Your browser does not support the video tag.