يخطئ من يظن أن الوساطة العقارية لها طبيعة استثنائية بين الوساطات الأخرى كوسيط الأسهم أو وسيط سياحي وغيرها من آلاف الوساطات في مجالات مختلفة يعتاش منها ملايين البشر وتقوم عليها آلاف المنشآت في مختلف دول العالم، فالمبدأ في جميع الوساطات واحد وهو الحصول على عمولة أو رسوم مقابل توصيل مشترٍ جاد ببائع راغب عبر مهارات مختلفة أياً كان نوع السلعة فستبقى الفكرة من الوساطة نفسها. للحديث عن مستقبل الوساطة العقارية يجب علينا الأخذ بعين الاعتبار ما حل بهذه المهنة في بعض الدول المتقدمة وما حل ببعض الوساطات المشابهة التي لا تختلف كثيراً عن مبدأ الوساطة العقارية، فلو أنني قلت لأحدكم قبل 5 سنوات من الآن فقط أنه سيكون بإمكان الجميع حجز مقعد طائرة واستخراج بطاقة الصعود وحجز فندق وسيارة بسائق كل ذلك عبر جوالك الخاص دون تدخل بشري وخلال مشوار الذهاب إلى المطار لشكك البعض بالأمر، وهذا ما حصل خلال تلك الفترة القصيرة، ولكن ما زاد من فضولي هو ما حل بالملايين الذين كانوا يعتمدون على الوساطة السياحية كمصدر وحيد للدخل، فهل وجدوا مصدراً آخر؟ وهل كانوا أصلاً يتوقعون هذه المنافسة الشرسة التي جاءت من خارج دولهم ولم تمهلهم كثيراً؟ قد تكون الأمثلة المشابهة لما حل بوساطة السياحة كثيرة لو تفكرنا بها ولكن الأهم هل وساطة العقار بمنأى عن هذا التسونامي؟ للجواب عن هذا السؤال لن أتناول الصعوبات التي تواجه صناعة الوساطة العقارية يوماً بعد الآخر ولا التغيرات التي طالت سلوك المستهلك من بائع ومشترٍ والتي لا يسع المجال لسردها، ولكن يكفي أن أتحدث فقط عن تقنية جديدة ستعصف بجميع أنواع الوساطات بمختلف أنواعها وفي وقت قياسي وهي تقنية (Block Chain) وهي بكل بساطة منصة عملاقة توثق الأشخاص وكل ما يملكون عبر هوية رقمية لهم وتقوم بالربط بينهم وتسهيل عمليات التعامل والتداول فيما بينهم دون الحاجة إلى تدخل وسطاء بهدف تسريع العمل وتقليل الكلفة ومنع الخطأ البشري والأهم منع التجاوزات غير القانونية لتلك التعاملات دون النظر لحجم الضرر الذي ستخلفه هذا التقنية على ملايين الأشخاص الذين يعتبرون الوساطة مصدر رزقهم الوحيد ستحولهم إلى عاطلين، وهذه التقنية ستكون خلال الفترة القريبة هي الأساس لغالب التعاملات في جميع دول العالم ولن يستطيع أحد أن يتعامل مع الآخرين إلا من خلالها. إذاً يتضح لنا أن مستقبل الوساطة العقارية التي نعرفها اليوم في طريقها إلى الزوال وبالتالي سنشهد اختفاء أسماء كبيرة من الكيانات والشركات المختصة في مجال الوساطة العقارية حول العالم، والأهم هو أن تسارع المستهلكين على اقتناء التقنيات الحديثة سيسرع في فنائها في زمن قياسي قد لا يتجاوز بضعة أعوام مما يحتم علينا البحث والتفكير في صناعات بديلة تستوعب هذا الكم الهائل من تلك الكفاءات التي ستفقد عملها في مجال الوساطة العقارية والتركيز على حلول تقنية وكسب مهارات تساعد الأجيال الجديدة على الحصول على مصدر دخل لها. Your browser does not support the video tag.