من السهل تصنيف أينشتاين كفيزيائي، وأديسون كمخترع، وموزارت كموسيقي؛ ولكن من الصعب تصنيف عباقرة أبدعوا في (عدة مجالات) مثل الرازي، وأرخميدس، وابن سينا، وليوناردو دافينشي.. أنا شخصياً محتار في أي تصنيف أضع هذا الأخير.. فليوناردو دافينشي رسام ونحات ومعماري وموسيقي ومهندس وعالم جيولوجيا وخبير تشريح.. حين استضافه ملك فرنسا (فرانسيس الأول) جلس معه بالساعات لدرجة دخل عليه الحاجب عدة مرات ليخبره أن نبلاء فرنسا بدؤوا يتذمرون من طول الانتظار.. وحين تكرر استئذانه رد الملك بحدة: اسمع يا هذا؛ أنا من يصنع نبلاء فرنسا، أما دافينشي فالله وحده قادر على صنعه.. اغرب عن وجهي حتى نهاية اليوم.. ولد في إيطاليا عام1452 وعاش فترة شبابه في فلورنسا (حيث انبثق عصر النهضة الأوروبية). كانت فلورنسا حينها مركزاً للعلوم والفنون وتضم فنانين عظماء ما تزال أعمالهم خالدة حتى اليوم. ولكن دافينشي تفوق عليهم، ليس فقط في الرسم والنحت، بل والتعبير عن عبقريته من خلال الفن. بعد دراسة أعماله من قبل المؤرخ النمساوي فرتيجوف كابرا أعلن أنه نوع فريد وصعب التكرار من العباقرة.. يختلف عن نيوتن وغاليليو وأينشتاين وبقية العظماء في أن أعماله امتلكت مزيجاً عالي المستوى من الفن والهندسة والفلسفة والخيال.. مهارته الفنية جعلته يترك كماً هائلاً من الرسومات والخرائط واللوحات التوضيحية.. ترك رسومات تشريحية لجسم الإنسان (قدمت كدليل على سرقته للجثث) وتصاميم لمخترعات مستقبلية (كالدبابة والهليكوبتر) ومخططات لبناء مدن وسدود وقنوات لتجفيف البحر (قدمها لبلديات فلورنسا وميلانو والبندقية) - وهذا غير لوحاته الفنية التي نعرف منها الموناليزا، والعشاء الأخير، والمسيح المخلص (التي بيعت في نوفمبر الماضي بأربعمئة مليون دولار)... كتب عن الدورة الدموية، وآلية الأبصار، وعلاقة القمر بظاهرة المد والجزر، وأكد أن الأحافير تخص مخلوقات انقرضت قبل البشر بكثير.. حين تراجع أعماله واختراعاته تكتشف فوراً أنها سبقت عصرها ويصعب تنفيذها بالتقنيات المتوفرة حينها (مثل الغواصة والطائرة المروحية والرشاش الآلي).. غير أن هناك سبباً آخر في عدم اكتمال معظم أعمال دافينشي.. فمواهبه المتنوعة جعلته يعمل على أكثر من جبهة ولدى أكثر من حكومة (لدرجة أنه رسم لوحة الموناليزا على مدى ستة عشر عاماً حتى يئس أصحابها).. غير أن هناك رواية أخرى تؤكد أن دافينشي أحب صاحبة اللوحة (السيدة ليزا جوكونوا) فماطل في رسمها حتى يراها دائماً.. وحين اكتملت رفض تسليمها لزوجها الثري وظلت ترافقه خلال تنقلاته بين المدن الإيطالية.. وبعد وفاته في فرنسا عام1519 انتقلت ملكيتها للملك فرانسيس الأول وتم الاحتفاظ بها في قصر فونتيبلو ثم قصر فرساي حتى استقرت في متحف اللوفر منذ عام1797.. واليوم لا يمكن (حرفياً) وضع تقدير مالي للموناليزا كونها أشهر لوحة في التاريخ وأبرز شاهد على مرور إنسان.. الله وحده قادر على صنعه. Your browser does not support the video tag.