يعتبر التاريخ المادّة الرئيسيّة التي اختص بها عدد كبير من خبراء العالم، وذلك نابع من أهمية التاريخ في حياة العالم، فالتاريخ هو السجل الكامل لمختلف الوقائع التي وقعت منذ أن بدأت الكتابة على وجه الأرض إلى يومنا هذا، كما أنه يساعد على معرفة ما كان من شأن الأمم البائدة، وكذلك معرفة الطريقة التي تقدّم بها الإنسان بسبب تقدّم العقل البشري وما صاحبه من تقدم في النظريات والفلسفات والعلوم والأفكار المختلفة، إلى أن وصلت كلها إلى ما وصلت إليه اليوم من تطور كبير. وقد حظي علم التاريخ بعناية خاصة من الدول العُظمى فعلى سبيل المثال يُدرّس التاريخ بجامعة أوكسفورد في بريطانيا كدراسة شاملة تتناول النواحي الثقافية والاجتماعية والسياسية والإنسانية في التاريخ، ويزود الطالب بالمهارات الأساسية في الدراسة التاريخية وبالمعرفة العميقة بالفترات التاريخية من التاريخ القديم إلى الوقت الحالي حيث يستخدم المحاضرون أساليب تدريسية حديثة لتحفيز الطلاب على الدراسة مثل الأفلام الوثائقية والمناظرات والوثائق واستخدام الموسوعات، وتقدم الجامعات البريطانية العديد من التخصصات التاريخية المختلفة للدراسة. وبالنظر إلى تدريس علم التاريخ على مستوى محلي وعلى مستوى الدول العربية، ينقسم فريقان حول تقييمه، الفريق الأول يجد أن علم التاريخ قد أُجحف من حقه وأهميته على حساب العلوم التطبيقية أو العلمية، وهذا مؤشر خطر على ثقافة الشعوب العربية عامة، إذا استمر هذا الإجحاف والاستنقاص له. والفريق الثاني يجد أن عملية تدريس علم التاريخ تُغطي احتياجات الدارس أو المثقف العربي وأنه لا بد أن يُصب الاهتمام على العلوم التطبيقية الأخرى لما لها الأثر في نمو وازدهار وتقدم الدول. «الرياض» حملت تساؤلات للبحث عن مصداقية هذا الانقسام وعدمه وهل دُرّس التاريخ بالطريقة التي يستحق أم لا ؟ وما مدى مستوى الرضا الأكاديمي عن آلية تدريس علم التاريخ في السعودية بشكل عام؟ وما الحلول والمقترحات لتحسين تدريس علم التاريخ؟ وهل التاريخ السعودي أُعطي حقه بالتدريس؟ ومن المسؤول عن نظرة المجتمع السلبية لعلم التاريخ من خلال تهميشه ونحو ذلك؟ البروفيسور في تاريخ العلاقات الحضارية عبدالله بن عبدالرحمن الربيعي في جامعة الإمام "سابقاً" يشير إلى أنه خلال ندوة عقدها كرسي الملك عبدالعزيز لتاريخ المملكة تقدم بورقة نقد فيها مناهج التاريخ في التعليم العام وخلصت إلى توصيات أهمها ضرورة إعادة صياغة منهج التاريخ حسب كل مرحلة وحسب كل عمر وبمعلومات حضارية بعيداً عن الحروب وروح العداء والفرقة. وحول آلية تدريس التاريخ في الجامعات العربية السعودية، قال يُدرّس بالأسلوب التقليدي (التحقيب)، وبخطة دراسية عفا عليها الزمن، والأولى أن يدرس التاريخ في الجامعات موضوعياً فيدرس التاريخ السياسي منذ بداية التاريخ حتى عصرنا الحاضر وكذلك التاريخ العسكري والاجتماعي والديني والاقتصادي والنقدي والدبلوماسي والعمراني والفني والإداري. ويشير الربيعي إلى أن المجالات العلمية التي يمكن للباحث الكتابة كثيرة، فهناك الموضوعات الحضارية والسياسية لافتاً إلى أنه ضد تقييد الباحث بحقبة زمنية أو حصر المشرف بعصر معين لأننا نحجر واسعاً، وحسب النظام الفرنسي فإن كل أستاذ يصل إلى مرتبة "مدير بحث" يحق له الإشراف على كل البحوث منذ ما قبل التاريخ إلى اليوم. ويبدي الربيعي عدم رضاه على تدريس علم التاريخ مطالباً بتغيير المناهج بما يتسق مع تحولات العالم وأن نسخر التقنية المعلوماتية في تدريس التاريخ بما يعرف ب"التاريخ المرئي"، وأن نخلع جلباب "اللجان العتيقة" لنرتدي زي الخبراء والمفكرين العمليين، أما فيما يخص التاريخ العربي السعودي تاريخ وطني، ومما يؤسف له أن ثمة من يدرس هذا التاريخ من غير العرب السعوديين، لأن ثمة مصطلحات وأسماء يجهلها غيرنا، ثم إن أسلوب تدريسه في مرحلة التعليم العام تحتاج إلى تحديث وقد أشرنا إلى ذلك آنفاً. صياغة التاريخ ويقترح الربيعي إعادة صياغة التاريخ حسب كل مرحلة عمرية وحسب اهتمام الطفل والمراهق وأن تقدم له المادة حضارية بعيدة عن إثارة النعرات وبث روح الثأر والعداء، كما يرى ضرورة أن تقوم الجامعات بتجديد مناهجها وفقاً للتقسيم الموضوعي، واستخدام تقنية المعلومات وسيطة بين المحاضر وطلبته، وكذلك دمج الجغرافيا بالتاريخ باعتبار أن الجغرافيا المسرح الدائم والتاريخ وعاء المتغيرات على الأرض ولا يمكن فهم مجريات التاريخ دون التعمق بالخريطة والتضاريس والمناخ. وفيما يخص مسؤولية النظرة السلبية عن علم التاريخ حمّل البروفسور الربيعي المؤرخين أنفسهم هذه النظرة معللاً ذلك بأنهم حصروا أنفسهم في الصفة النظرية دون مهارات أخرى وساروا على نهج المشرفين عليهم حذو القذة، فتكررت النسخ دونما إبداع أو ابتكار. وأبدى البروفسور الربيعي اعتزازه بكوكبة من أساتذة التاريخ في الجامعات العربية السعودية، مصنفاً إياهم بالمستوى العالمي. ضعف اهتمام أما البروفسور في التاريخ الحضاري حصة جمعان الهلالي في جامعة الأميرة نورة فترى قلة الاهتمام به كتخصص من قبل خريجات المرحلة الثانوية وتؤكد أن التاريخ ليس كتابة تاريخ فرد أو حادثة تاريخية أو تاريخ شعب وأمة، أو التاريخ الكلي، وإنما هو تحليل وفهم للأحداث التاريخية عن طريق منهج يصف ويسجل ما مضى من وقائع وأحداث ويحللهاعلى أسس علمية بقصد الوصول إلى حقائق تساعد على فهم الماضي والحاضر والتنبؤ بالمستقبل، فثلث القرآن الكريم تاريخ، ومن التاريخ نأخذ العبرة ونفهم جذور الأحداث، وطرق الخروج من الأزمات، وأصول العلوم والفنون؛ لنكرر التجارب الناجحة، ونتحول من الضعف إلى القوة، التاريخ مرآة الأمم، وحتى تقوى أمتنا لابد من تقوية تاريخها. وفيما يخص آلية تدريس علم التاريخ، تبدي الهلالي أسفها بطريقة التدريس التقليدية التي جعلت الطالب ينفر منه حيث يحشو المعلم ذهن الطالب بمادة غزيرة دون مراعاة المهارات والمعارف والسلوكيات التي يجب أن يحصل عليها من هذا العلم، رغم التطور الذي حدث في تعليم بلادنا فما زالت بعض المدارس تعجز عن الاستخدام الأمثل للتقنيات في تدريس هذا العلم القديم الجديد المتطور. وتؤكد البروفسور الهلالي أننا ما زلنا بحاجة إلى آليات وإستراتيجيات تخرج التاريخ من جموده حيث إنه ما زال يحتاج إلى انعاش بطرق مختلفة رغم أننا الآن في جامعة نورة بدأنا خطوة جميلة وهي تطعيم التاريخ بمادة حيوية ديناميكية قريبة من الطالبات ومن ميولهن وهي مادة التاريخ المرئي والتي تعمل على توظيف التاريخ المرئي في كتابة التاريخ وقبل ذلك يعرف الطالبات بمصدر مهم وهو المصادر المرئية والتي راجت وانتشرت في وقتنا الحالي فكان لابد من تدريس الطالبة هذا النوع من العلوم لتتعلم كيف تستشف التاريخ الحقيقي من المزيف والذي يبث لنا عبر وسائل مختلفة عن طريق تدريبها على مهارات وتقنيات تتعرف بها الغث والسمين. تحسين التدريس د. الهلالي: الطرق التقليدية منفّرة وطرحت البروفسور الهلالي بعض الحلول والمقترحات لتحسين تدريس علم التاريخ من وجهة نظرها وهي ضرورة إعادة صياغة الأهداف لدى أستاذ لكل درس وكل مادة مع استخدام التقنية على اختلافها، في تدريسه يستخدم الأفلام الوثائقية - الصور - العروض - المجسمات - القيام برحلات ميدانية والتدريس على الطبيعة - النقاش - المحاورة - أسلوب القصة -استخدام مجموعات في إدارة الأحداث وتوضيحها وتقييمها وكذلك تغيير إستراتيجيات الأساتذة في التدريس لتناسب الجيل والعصر الذي هم به ولا يقيس دراسته القديمة بتعليمهم فلكل جيل أسلوبه وكلها صحيحة، كما نوهت بضرورة ربط التاريخ بواقعهم اليوم وتقريبه من مفاهيمهم وكذلك استخدام الإنترنت والوسائل والتقنيات المختلفة. وحمّلت الهلالي مسؤولية النظرة السلبية عن علم التاريخ في المجتمع على أهل التاريخ (طلبة وأساتذة) حيث قالت: هم من غرس هذه النظرة في الآخرين فلو عشقوا التاريخ لعرفوا كيف يتحدثون ويدافعون عنه، لو ابتكروا كل ما يرقى بأساليبه ومهاراته لأحبه الآخرون، فالطاقة السلبية أو الإيجابية تنتقل إلى الآخرين من ردود أفعالنا فماضي الشعوب والإنسان حافل بشتى الصور وهو عزيز عليه في كل أدواره، سواء أكانت عهود المجد والقوة والرفاهية أم عهود الكوارث والآلام والمحن، والشعوب التي لا تعرف لها ماضياً محدداً مدروساً بقدر المستطاع لا يعدون من شعوب الأرض المتحضرة، وعلى ذلك نجد أنه لا غنى للإنسان عن دراسة ماضية باعتباره كائناً اجتماعياً، فينبغي عليه أن يعرف تاريخ تطوره وتاريخ أعماله وآثاره ليدرك من هو حقاً وإلى من ينتمي. طرق تقليدية وقال د. عبدالله الخراشي أستاذ التاريخ الإسلامي المُشارك ورئيس قسم التاريخ في جامعة الملك سعود، إنه من المعروف أن تدريس التاريخ في التعليم العام - كغيره من العلوم - مرتبط بالكتاب المنهجي المعتمد من الوزارة ومن خلال معرفتي بالعاملين في حقل التعليم وكذلك من خلال التعامل مع مخرجاته ممن يلتحقون بالجامعات، يمكن القول إن تعليم التاريخ يعتمد على الطريقة التقليدية المعتمدة على الإلقاء المباشر وسرد الأحداث التاريخية بحسب تسلسلها في الكتاب المقرر والمعلم في هذه الحالة محكوم بعامل الوقت مما لا يتيح له فرصة الإبداع لتدريس التاريخ واستخدام إستراتيجيات متجددة لاسيما في ظل عدم توفر الإمكانات اللازمة، وعدم القدرة على ربط مادة التاريخ بأنشطة عملية خارج الصف الدراسي، وهذا بلا شك يجعل من مادة التاريخ مادة مملة جامدة لا يستشعر الطالب أهميتها. كما كشف عن تدريس التاريخ في الجامعات السعودية وقال يختلف من قسم لآخر، وكذلك يختلف من مرحلة لأخرى فتدريس التاريخ في مرحلة البكالوريوس يختلف عن تدريسه في مراحل الماجستير والدكتوراه، ولكن بشكل عام يمكن القول إن تدريس التاريخ في الجامعات مختلف عن التعليم العام لعدة اعتبارات من أهمها: طبيعة الدراسة الجامعية ونظامها الذي يعتمد على إستراتيجيات مختلفة في التدريس تشكل المحاضرة الأسلوب الرئيس فيها وإلى جانبها تستخدم إستراتيجيات أخرى كعمل المجموعات والأنشطة الفردية وتقديم العروض التقديمية، والتدريس في الجامعات يحمل الطالب مسؤولية أكبر في الحصول على المعلومة فضلاً عن تركيزه على تنمية مهارات الطالب البحثية وخاصة مهارات التفكير والتحليل والصياغة كم تعزز لديه روح البحث ومتطلباته. وحول مستوى الرضى عن طرق تدريس علم التاريخ في الجامعات السعودية، أوضح د. الخراشي أنه لا شك بأن الطموح أكبر من الممارسة الفعلية في أقسام التاريخ بالجامعات ولا زلت أعتقد أنه يجب تطوير طرق تدريس التاريخ في الجامعات والإفادة من الإمكانات التي توفرها الجامعات والتوسع في استخدام إستراتيجيات أكثر تطوراً وتأثيراً ليس في إيصال المعلومة فقط، وإنما في طرق الوصول إليها والتعامل معها. وإن العالم اليوم يتطور ووسائل الاتصال تتجدد وفي المجال المعلوماتي مثلاً برزت كثير من المفاهيم الجديدة في تقنية المعلومات، للمعلوماتية (الإنترنت) والتعليم الإلكتروني، والمناهج الرقمية، والتعليم عن بعد، والفصول الافتراضية وبرمجيات التعليم كل هذه المتغيرات تستوجب من العاملين في مجال تدريس التاريخ مواكبتها. آليات التدريس وحول ما إن كان قد أُعطي التاريخ السعودي حقه بالتدريس، كشف د. الخراشي عن آلية بعض الجامعات حالياً ومستقبلاً تجاه تدريس التاريخ السعودي، وقال في اعتقادي أن التاريخ السعودي حاضر في جميع خطط وبرامج أقسام التاريخ في الجامعات السعودية كمادة تخصص بل إن بعض الجامعات - كجامعة الملك سعود - صممت برنامجاً للماجستير في التاريخ الوطني، وبعض الجامعات جعلت مقرر تاريخ المملكة مقرراً إلزامياً لجميع التخصصات، ونتطلع قريباً إن شاء الله لتعميمه على جميع الجامعات، وربما يتم ذلك بعد اعتماد الكتاب المنهجي الموحد الذي تشرف عليه دارة الملك عبدالعزيز. ويعتبر د. الخراشي أن هنالك نظرة سلبية عن علم التاريخ ناتجة عن قلة الوعي بهذا العلم وأهميته وتأثيره في الواقع السياسي خاصة وفي واقع الحياة عامة، وزاد الأمر سوءاً حين ربط التاريخ بسوق العمل فقلة الفرص الوظيفية كرست النظرة بعدم جدوى هذا التخصص. وقال سبب النظرة السلبية تجاه التخصص هي مسؤولية مشتركة بين مختلف الجهات والقطاعات فالقطاعات المسؤولة عن تدريس التاريخ لم تقدم المادة التاريخية بأسلوب تعزز من قيمته وتبين أثره، ولا زال بعضها منكفئاً عن المجتمع ومن جانب آخر أيضاً وسائل الإعلام وبعض الكتاب للأسف ساهموا بتكريس هذه النظرة السلبية حين جعلوا تخصص التاريخ مضرب المثل للتخصصات التي تشكل عبئاً على المؤسسات التعليمية، وتتسع دائرة المسؤولية لتشمل بعض المسؤولين عن المؤسسات التعليمية وخاصة في الجامعات ممن تأثر بما تطرحه وسائل الإعلام فاتخذوا إجراءات ضد هذا التخصص بدأت بتجميد القبول فيه وربما الوصول لحذفه تماماً. وتبدي د. فاطمة الشهري أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر المساعد بجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن عدم رضاها عن آلية تدريس علم التاريخ في الجامعات السعودية. نظرة سلبية د. الشهري: مواءمة المقررات مع سوق العمل إن النظرة السلبية تجاه علم التاريخ تقع بشكل كبير على عاتق أهل التخصص، وشددت على أهمية علم التاريخ قائلة: على المجتمع أن يعي أهمية هذا العلم، وطالبت أن تتضافر الجهود من قبل المتخصصين للعمل على تطوير الخطط والمسارات والمقررات وإدخال إستراتيجيات جديدة بما يتوافق مع روح العصر والتطوير. وتقترح الشهري أن يتم توظيف التقنية في التدريس، وتطوير بعض المسارات أو المقررات بما يتوافق مع أهداف الجامعة وسوق العمل مع ضرورة تفعيل الشراكة والتعاون والتبادل المعرفي بين المراكز البحثية التاريخية والمتاحف والجامعات العالمية وبين أقسام التاريخ من حيث تحسين المقررات والزيارات الميدانية وتبادل الأفلام الوثائقية التاريخية وغيرها. وفيما يخص مقرر تدريس التاريخ السعودي صرّحت أنه غير كاف، حيث يجب أن يُدرس مقرر التاريخ الوطني في جميع الأقسام بالجامعات السعودية كمتطلب (أساسي) للتخرج وهذا يتماشى مع رؤية المملكة 2030 ويسهم في تعزيز الروح الوطنية لدى الطلاب وحب الانتماء والولاء للوطن، وكشفت عما دار في الاجتماع الثاني لرؤساء أقسام التاريخ قبل فترة قصيرة بأنه الأعضاء طالبوا بالإسراع في تنفيذ التوجيه بتطبيق تدريس مقرر التاريخ الوطني، وبعض من الجامعات مؤخراً أقرت تدريس التاريخ الوطني في جميع كليات الجامعة وفروعها مثل جامعة الطائف. د. الربيعي: صياغة مناهج حضارية ضرورة د. الخراشي: ضعف الوعي وراء النظرة السلبية د. الخراشي: ضعف الوعي وراء النظرة السلبية Your browser does not support the video tag.