قد يبدو الحديث مكرراً لو تحدثنا عن الصورة النمطية للإسلام والعرب في بعض وسائل الإعلام والدعاية والسينما الأميركية والغربية ورؤيتها السلبية أو العنصرية إليهم، لكن كثيرين يتساءلون عن طبيعة الرؤية والتصور الذي تغذيه المقررات التعليمية والمناهج الدراسية، خصوصاً بالولاياتالمتحدة، في عقول الناشئة لديهم عن الإسلام كدين وحضارة، وقبل الدخول في الإجابة عن هذا التساؤل الكبير لا بد من التأكيد على مقدمتين، الأولى: لا يمكن لأي باحث، فضلاً عن غيره، إطلاق وصف أو حكم عام بالسلب أو الإيجاب، وذلك لأن المقررات التعليمية لا تقررها الحكومة الفيديرالية، وإنما لكل ولاية هيئة تعليمية ولجان لها الحق في اختيار المفردات والمقررات الدراسية الخاصة بها في ظل المحددات العامة، ويخضع اختيار المقررات لمدى توجه ومحافظة تلك اللجان. الثانية: أهمية التفريق بين المؤلفات المقررة ذات التأليف الحديث التي أُلفت قديماً وتم استبدال بعد ذلك مناهج ومقررات حديثة بها، ومن هنا تكمن الإجابة عن التساؤل. الكثير من الباحثين الذين أجروا دراسات حول المقررات التعليمية الأميركية يتفقون على أن صورة الإسلام والمسلمين في المقررات الدراسية القديمة إبان فترتي السبعينات والثمانينات والى منتصف التسعينات كانت تتضمن صورة سلبية وكثيراً من المعلومات المغلوطة، فالدراسة البحثية الشهيرة التي أعدتها دوغلاس تحت عنوان «تفسير الإسلام في المدارس الأميركية لستة من المناهج الدراسية»، وتم نشرها في دورية عريقة أوضحت أن تلك المقررات أسرفت في ترداد دعوى انتشار الإسلام بالسيف وبالقوة والاضطهاد للمرأة، وعدم التطرق للحضارة الإسلامية، وكذلك دراسة مايكل سليمان أستاذ العلوم السياسية بجامعة كنساس في السبعينات عن أثر مقررات المرحلة الثانوية في تكوين التصور لشعوب الشرق الأوسط، قامت باستطلاع إحصائي على طلبة ست من الولايات الكبرى استنتج الباحث منها أن الطلاب غالباً ما يعبرون بآراء عدائية وعنصرية وسلبية، وهو ما أيدته أشهر تلك الدراسات الأكاديمية لأستاذ علم الاجتماع في جامعة كاليفورنيا إياد القزاز، وهو عراقي الأصل، عمل أستاذاً في علم الاجتماع في الجامعة منذ 1969 حتى الآن، واعتمد في دراسته للمقارنة بين المقررات في تلك الفترة وما بعدها على عدد من الكتب المقررة لطلاب المرحلة الثانوية في كاليفورنيا إحدى أهم الولايات، وأكد أنه لم تكن هناك مادة عرضة للإساءة والتشويه والتناول خارج السياق الموضوعي مثلما كان الإسلام عرضة لذلك في تلك المرحلة الزمنية. يرجع بعض الباحثين السبب الرئيس إلى أن مفردات تلك المقررات ومعلوماتها كانت مستمدة في غالبها من التراث الضخم الذي خلفته بعض الحركات الاستشراقية التي لم تتسم بالتجرد وعدم الانحياز، كما ذكر ذلك المستشرق المعاصر ليونارد بايندر، مدير معهد دراسات الشرق بجامعة كاليفورنيا، لكن ومنذ نهاية التسعينات الميلادية بدأت المقررات الدراسية في عدد من الولايات تنحى نحياً موضوعياً ومعتدلاً في الطرح، وتضاعف ذلك الاهتمام بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر). تعرضت دراسة بحثية متأخرة أعدها معهد العلوم الإسلامية والعربية بواشنطن بقراءة تحليلية تفصيلية لمفردات ومضمون عدد من المقررات الدراسية ذات الانتشار الواسع، فالطالب يبدأ هناك بتلقي المعارف والمعلومات عن الإسلام ضمن مادة الدراسات الاجتماعية في الصف الخامس، وتناول البحث دراسة لأحد أبرز تلك المقررات رواجاً هو كتاب مغامرات العالم في الزمان والمكان، وتحديداً لفصل كامل بعنوان «الجزيرة العربية القديمة»، الذي تطرق لبداية ظهور الإسلام ومقتطفات من سيرة النبي «صلى الله عليه وسلم»، وتطور العلوم الطبيعية لدى المسلمين ومنجزاتهم الحضارية، واعتبرت الدراسة هذا الكتاب واحداً من أولى المقررات الدراسية التي بدأت بتقديم صورة معتدلة ومنصفة عن الإسلام إلى حد كبير لعقول الناشئة مع التجاوز عن بعض الأخطاء، وفي الصف السادس تمت دراسة كتاب «قصة عالمنا» الصادر 1997، وكانت نسبة الحديث فيه عن الإسلام 12 في المئة، ورأت الدراسة أن هذا المقرر هو علامة فارقة وواضحة في إنصافه وتقديم الكثير من الإضافات الإيجابية كتسامح المسلمين وذلك بأسلوب فني شيق ولم يقع إلا في أخطاء شكلية غير مقصودة، وفي المرحلة المتوسطة يدرس الطالب كتاب تاريخ العالم من خلال فصل بعنوان «العالم الإسلامي» مصادر الدين وحياة الخلفاء الراشدين ونشوء الفرق العقدية في الإسلام باستعراض منصف للحقائق التاريخية، أما في المرحلة الثانوية فيدرس الطالب التاريخ الإسلامي في إطار تاريخ الحضارات الإقليمية الكبرى كالفارسية والبيزنطية ضمن كتاب «تاريخ العالم الارتباط بالحاضر» 2005، ولعل أبرز الإضافات هو الفصل المعنون بالتحدي الأوروبي للعالم الإسلامي وأسباب ضعف الإمبراطورية الإسلامية منذ نهاية القرن ال17. يرى الكثير من الباحثين أن من أبرز العوامل التي أدت إلى هذا التحسن الكبير في صورة الإسلام دور مراكز دراسات الشرق الأوسط في الجامعات بالولاياتالمتحدة والتوصيات المقدمة من المراكز الإستراتيجية المؤثرة بصناعة القرار كتوصيات معهد السلام بواشنطن «التابع للكونجرس الأميركي»، في دراسة مهمة له حول تدريس الأديان في التعليم الحكومي، ودور الجالية العربية والإسلامية من خلال الجمعيات التي قامت بتأسيسها لدراسة وتحليل تلك المقررات ونشر نتائجها والتواصل مع المؤلفين وشركات النشر، وهذا التحسن الإيجابي في هذه الدراسات لا يعني عدم وجود إشكالات لا تزال موجودة في عدد من المقررات الدراسية حتى الآن، ففي العام الماضي، على سبيل الذكر، تبنت هيئة التعليم بولاية تكساس المعروفة بآرائها اليمينية قراراً يهدف إلى ملاحقة ناشري الكتب المدرسية التي اعتبرتها الولاية تمنح الإسلام مكانة أهم من المسيحية، وعلقت منظمة شبكة الحرية في تكساس بأن الهيئة تلعب على التخويف والتعصب لحشد المسيحيين ضد المسلمين، لذلك لا تزال هذه القضية هي محط اهتمام عدد من مراكز الدراسات والباحثين والجاليات الإسلامية في تقويمهم للمحتوى التعليمي في المدارس. * كاتب سعودي. [email protected] @hasansalm