لا يكاد يمر أسبوع واحد دون أن نسمع حديثا في المجالس أو نشاهد مقطعاً مصوراً على وسائل التواصل الاجتماعي عن الغش العقاري في الفلل المعروضة للبيع، أو تلك التي تورط بشرائها مواطن لتبدأ معها رحلة عذابه وشكاويه التي لا تجد صدى ولا أذنا صاغية لمعاناته للأسف. هذا الأسبوع عرض بعض الناشطين في مكافحة الغش التجاري مقاطع مصورة لمعاناة مواطنين تورطوا بشراء فلل سكنية في شمال الرياض بمبالغ تزيد على 1.6 مليون ريال للفلة الواحدة مما اصطلح على تسميته ب"فلل الكراتين"، ولكنهم وجدوا أنفسهم ضحية غش اضطرهم لدفع مبالغ كبيرة من جيوبهم لإجراء إصلاحات وتعديلات ناتجة عن الغش الذي تعرضوا له. قبل أسبوعين أيضاً عرض برنامج "ياهلا" معاناة مواطن اشترى فلة سكنية عن طريق أحد البنوك التجارية، ولكنه بعد أن سكنها بوقت قصير وجد أن الفيلا مغشوشة ولا تصلح للسكن، ولم يتدخل البنك لصالحه بشيء بل استمر يخصم الأقساط عليه، فكان حال هذا المواطن كالمنبت الذي لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى. وهناك عدد كبير من المقاطع على اليوتيوب كلها تحكي وبالصور والتفاصيل مآسي الغش العقاري الذي تعرض له عدد من المواطنين الذين كانوا يعتقدون أنهم دفعوا أموالهم في منازل مناسبة تحميهم من سوط الإيجارات وتقي أطفالهم حر الصيف وبرد الشتاء، ليكتشفوا أنهم في الحقيقة تورطوا وتحملوا الديون في بيوت مغشوشة لا تصلح للسكن وتحتاج لأموال كبيرة لإصلاح خلل بنائها وتشطيباتها. وبالتأكيد، قضية الغش العقاري رغم أنها محزنة ومؤلمة للمواطنين الذي وقعوا ضحايا لها، كما هي مؤلمة لنا جميعاً، إلا أنها بحمد الله لم تصبح ظاهرة، ولذا يجب تدخل المسؤولين سريعاً لتحجيمها ومعاقبة مرتكبيها ومحاسبتهم قبل أن تتحول في غياب الرقابة والمحاسبة إلى ظاهرة يتعدى ضررها الأموال إلى الأنفس والأرواح لاسمح الله. هذا الأسبوع دار نقاش على موقع "تويتر" بيني وبين بعض المتخصصين والمهتمين حول قضية المباني المغشوشة، وكانت هناك بعض المقترحات لعلاج قضية الغش العقاري، وأذكر فيما يلي بعضها دون ترتيب (مع حفظ حقوق المقترحات لأصحابها): * ضرورة تطبيق معايير جودة البناء بإشراف جهة مستقلة عن المقاول والمالك (قد تكون هيئة المهندسين هي المؤهلة لهذا الدور). * ضرورة إنشاء هيئة للبناء تكون مسؤولة عن متابعة تطبيق معايير الجودة على المباني الجديدة. * ضرورة تقديم ضمان بنكي من قبل المطور العقاري لمنحه ترخيصا يتناسب مع حجم مبيعاته، ويتم استخدام هذا الضمان عندما يخفق في الوفاء بالتزاماته تجاه المشترين. * ضرورة حجز جزء من قيمة المنزل لمده معينه حتى يتبن صلاحيته فعلاً للسكن من عدمها. * ضرورة توحيد عقود الإنشاء والبيع وتعميم استخدامها للجميع، مع وضع ما يكفل حقوق جميع الأطراف المتعاقدة. * ضرورة إلزام مكاتب الاستشارات بضمان العقار لمده معينه. * ضرورة إعطاء المشتري ضمانا على الهيكل الإنشائي والسباكة والكهرباء والعزل على أن يصادق على صحته من وزارة التجارة أو البلديات. * ضرورة تدخل وزارة الإسكان، وتوليها مهمة الإشراف وتوثيق عقود البيع والشراء واستبعاد المطور المتلاعب وتغريمه ومقاضاته إن لزم الأمر. * ضرورة قيام وزارة الإسكان والأمانات باعتماد كود البناء السعودي أو أي معايير مماثلة ومُعتمدة دولياً، ومن يخالف هذه المعايير يتم التعامل معه بموجب النظام وإلزامه بتحمل التبعات وتعويض المتضررين بما يتناسب مع حجم الضرر الواقع عليهم. * ضرورة تسهيل إجراءات التقاضي للمتضررين، فغالبية من يشترون مساكن مغشوشة حالياً لا يمكنهم الحصول على حقوقهم قضائياً لصعوبة إجراءات التقاضي وطول زمنها. قضية الغش العقاري أصبحت قضية رأي عام، ولابد من سرعة التدخل لحلها ومعاقبة مرتكبيها بأشد العقوبات، فالحفاظ على أموال الناس وأرواحهم أولوية لا يجوز التساهل والتأخر فيها تحت أي مبرر أو ذريعة. Your browser does not support the video tag.