إن الأدب السعودي الحديث بات يطرح نفسه بوصفه مادة خصبة للدرس الأكاديمي، والنقدي في العقود الثلاثة الأخيرة ليس بهدف الدعاية والتشجيع، وإنما بفضل تطور خطابه، وتنوع مرجعياته الفكرية المنفتحة على المذاهب الأدبية العالمية وفضاءات التجريب وقد انعكس هذا في تعدد أدواتهم الفنية وغناها حيث يلحظ عليها عمق التجربة، وجرأة الطرح. فقد حظيت الرواية في الفترة الأخيرة باهتمام كبير من النقاد والدارسين لدى المجتمعات المثقفة في كافة أنحاء العالم، ويرجع ذلك إلى أنها بعد أن كانت لقرون عديدة وسيلة للتسلية، والترفيه وقضاء الوقت للمجموعة المرفهة من الناس تحولت في الألفية الثالثة إلى أداة فنية قريبة من الإنسان وسلوكياته، وواقعه اليومي ومن المجتمع وقضاياه وتحولاته، وتتزايد أهميتها سنة بعد أخرى حتى صارت مرآة للمجتمع وواقعه المعيش. ولقد برزت الرواية باعتبارها جنساً أدبياً مستقلاً؛ لكونها فناً متعدد الأصوات والأحداث والأمكنة والأزمنة والشخصيات، وقد بلغت مرحلة متقدمة من الوعي المعرفي على بقية الأجناس الأدبية كالشعر، والمقالة، والقصة؛ لتكون ملتقى المعارف والفنون والأفكار. وليست الرواية السعودية أقل حظاً من الأعمال الروائية في باقي أقطار العالم في رصد التحولات الاجتماعية، والتغيرات الثقافية، والتطورات البيئية، والمعيشية وانعكاساتها على حياة الأفراد، وأنماط التفكير، والتعبير عن قيم المجتمع، وتقاليده ومعالجة القضايا التي تهم الإنسان العربي، وصراعاته النفسية، والاجتماعية حسب رؤية الكتّاب لها. وعن العلاقة بين الرواية والمجتمع السعودي، فيمكن القول: إن الرواية لم تكن بمنأى عن تلك الوظيفة المهمة؛ فهي تمثل- بتقنياتها الفنية الخاصة - ما كان يمثله الشعر قديماً، حيث برزت بوصفها الفن الأدبي الأول - الذي تسجل أيام العرب المحدثين- أكثر من علامة تحيط بنا تجعلنا نزداد يقيناً أننا نعيش في زمن الرواية. فهناك الإنجازات المتميزة بثرائها الكمي قطريًا وقوميًا وعالميًا على نحو ارتفعت فيه معدلات الإبداع الروائي على مستوى الكتّاب، ومعدلات الاستقبال على مستوى القراء، حيث غدت الرواية الجاذب لمزيد من القراء من مختلف الطبقات، والقطاعات، والمجالات، وأضحى الروائي - شبيه الشاعر القديم - هو المؤرخ الحقيقي لكثير من أحداث المجتمع، وتحولاته، وظهر تبعاً لذلك مصطلح مجتمع الرواية. ولا أعتقد أن الرواية ستفقد بريقها في المستقبل بل العكس هو الصحيح، ستبقى الفن الأكثر جاذبية للقراء والكتّاب معاً فهي الأقدر من بين الفنون الأدبية المختلفة على معالجة قضايا العالم المستقبلي المتشابك والمعقد وهي أيضاً الفن الأقدر على دمج تعددية الخطابات الفنية، وغير الفنية في لغتها؛ لأنها النص المفتوح الهجين المتداخل الأجناس. * باحث دكتوراه في الأدب والنقد Your browser does not support the video tag.