شهد العراق منذ مطلع 2017 العديد من الأحداث الأمنية والسياسية والاقتصادية، لعل أبرزها تحرير أرض بلاد الرافدين من تنظيم "داعش" الإرهابي، والانفتاح الخليجي والإقليمي والدولي، وإعادة العلاقات مع المملكة العربية السعودية بعد انقطاع دام أكثر من 27 عاماً، كذلك انبثاق المجلس التنسيقي بين بغداد والرياض، كما أن أحداث إقليم كردستان وتداعياته والاضطرابات التي شهدتها محافظة السليمانية، ثاني أكبر مدن كردستان، أخذت حيزاً كبيراً من عام 2017. ويعتبر العراقيون هزيمة تنظيم "داعش" الإرهابي، الأهم في هذا العام؛ حيث استكملت القوات العراقية المشتركة والتي تدعمها طائرات التحالف الدولي بقيادة الولاياتالمتحدة الأميركية وحلفائها، مطلع عام 2017 عمليات تحرير الساحل الأيسر والأيمن لمدينة الموصل من سيطرة تنظيم "داعش" الإرهابي، بعد معارك عسكرية شرسة مع التنظيم، استمرت 9 أشهر من القتال، ليعلن القائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي في 10 يوليو الماضي، تحرير المعقل الرئيسي ل "داعش" الإرهابي، وانتهاء دولته المزعومة في "العراق والشام"، بزعامة المدعو أبو بكر البغدادي الذي حتى الآن ما زال مصيره مجهولا؛ حيث اختلفت الروايات في مصيره سواء مقتلة أو أماكن تواجده. وعملت القوات العراقية المشتركة بعدها على تطهير محافظة نينوى بالكامل، إذ كان قضاء تلعفر، آخر معاقل التنظيم في المحافظة الذي اجتاحها في 10 يونيو من عام 2014. وأطلق العبادي في 20 من أغسطس، عمليات تحرير قضاء تلعفر التي تقطنها الغالبية التركمانية وتبعد عن الموصل بحوالي 70 كم وقريبة من الحدود العراقية - السورية، حيث استعادتها القوات المسلحة بوقت قياسي. وأعلن القائد العام للقوات المسلحة العراقية حيدر العبادي، تحرير محافظة نينوى بالكامل، في 31 من أغسطس الماضي. ويعتبر الانتصار على تنظيم "داعش" في محافظة نينوى، ضربة موجعة لعناصره التي كانت تشكل من بعض المدن، معاقل رئيسية كقضاء الحويجة في محافظة كركوك والساحل الأيسر لقضاء الشرقاط في محافظة صلاح الدين، والتي حررتها القوات الأمنية في 5 أكتوبر الماضي. وفي 26 من الشهر ذاته، أعلن حيدر العبادي، رئيس الوزراء العراقي والقائد العام للقوات المسلحة انطلاق عمليات تحرير الصحراء الغربية والتي تضم أقضية عنه وراوه والقائم، غرب محافظة الأنبار آخر ما تبقى لتنظيم "داعش" الإرهابي في العراق. وبتحرير القائم، آخر نقطة كان يتواجد فيها تنظيم "داعش" الإرهابي والقريبة من الحدود السورية، أطلقت القوات العراقية المشتركة عمليات تحرير مناطق الجزيرة بين محافظات صلاح الدين ونينوى والأنبار لتطهيرها من الخلايا النائمة لتنظيم "داعش". وفي 9 ديسمبر، أعلن العبادي تطهير الأراضي العراقية كاملة، في أجواء احتفالية بمناسبة النصر على أشرس قوى ظلامية في العصر الحديث. وقال العبادي في كلمة له بمناسبة يوم النصر: "أيها العراقيون، إن أرضكم قد تحررت بالكامل وإن مدنكم وقراكم المغتصبة عادت إلى حضن الوطن وحلم التحرير أصبح حقيقة وملك اليد". وأضاف العبادي الذي كانت خمسة أعلام عراقية مرفوعة خلفه وجنود من فرق عسكرية مختلفة، يقفون وراءه: "لقد أنجزنا المهمة الصعبة في الظروف الصعبة وانتصرنا بعون الله وبصمود شعبنا وبسالة قواتنا البطلة، وبدماء الشهداء والجرحى أثمرت أرضنا نصراً تاريخياً مبيناً يفتخر به جميع العراقيين على مر الأجيال". و"نعلن لأبناء شعبنا ولكل العالم أن الأبطال الغيارى وصلوا لآخر معاقل داعش وطهروها ورفعوا علم العراق فوق مناطق غرب الأنبار التي كانت آخر أرض عراقية مغتصبة، وأن علم العراق يرفرف اليوم عاليا فوق جميع الأراضي العراقية وعلى أبعد نقطة حدودية". وبعد تحرير كل مدينة من "داعش" يعود سكانها إلى مناطقهم المحررة بعد استحصال الموافقات الأمنية واستكمال الإجراءات القانونية، حيث تعلن وزارة الهجرة وبعض قيادات العسكرية عن عودة الأسر النازحة إلى مناطق سكناهم. وعاد مليونان ونصف المليون نازح إلى مناطقهم المحررة، وفقاً للمتحدث باسم المكتب الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء العراقي حيدر العبادي. على الصعيد السياسي والدبلوماسي، نجح العراق في استعادة دوره في المحافل العربية والإقليمية والعالمية؛ حيث مثل رئيس الوزراء حيدر العبادي العراق في مؤتمرات عالمية، وتعد عودة العلاقات العراقية السعودية بعد انقطاع أكثر من ربع قرن الحدث الأبرز في هذا العام. وفي 25 من فبراير، زار وزير الخارجية عادل الجبير العاصمة بغداد، والتقى مع رئيس مجلس الوزراء العراقي حيدر العبادي ووزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري؛ حيث حصلت تلك الزيارة على اهتمام محلي وعربي ودولي واسع، باعتبارها الزيارة الأولى لمسؤول سعودي للعاصمة العراقية منذ أكثر من ربع قرن، حيث فتحت صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين الشقيقين. ومهدت زيارة الجبير الطريق لمزيد من الزيارات على مستوى الوزراء بين البلدين الشقيقين. والتقى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز برئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في مارس 2017 على هامش القمة العربية التي عقدت في العاصمة الأردنية عمان. وفي يونيو الماضي، زار رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي المملكة؛ حيث تم الاتفاق خلال الزيارة على تأسيس مجلس تنسيقي بينهما لتطوير علاقات البلدين. في أغسطس، اتفق الجانبان العراقي والسعودي على إعادة فتح معبر "عرعر" البري بينهما بعد 27 عاما من إغلاقه نتيجة توتر العلاقات حينها. وشهد الشهر ذاته، وصول وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة إلى العاصمة العراقيةبغداد في زيارة لم يعلن عنها مسبقا، حيث التقى بالمسؤولين في الحكومة. واستكمالاً لتطوير العلاقات العراقية - السعودية، تم استئناف الرحلات الجوية السعودية، وحطت أول طائرة ركاب سعودية في مطار بغداد في 19 أكتوبر الماضي وهي الأولى منذ 27 عاماً. وجاءت زيارة العبادي للمملكة خلال أكتوبر الماضي تتويجا لمسيرة علاقات البلدين التي تشهد تحسنا ملموسا، وانبثق عن تلك الزيارة تأسيس أول مجلس تنسيقي بين بغداد والرياض، فضلاً عن تبادل الزيارات بين مسؤولي البلدين الشقيقين وتوقيع مذكرات تعاون في عدد من المجالات. وشاركت لأول مرة 60 شركة سعودية في معرض بغداد الدولي والذي انطلقت فعالياته في 21 من الشهر ذاته. وعلى صعيد مجلس النواب، أقر مجلس النواب العراقي عددا من القوانين والتشريعات خلال النصف الأول من عام 2016، وقرر البرلمان في 8 من أغسطس الماضي، دمج انتخابات المجالس المحلية (المحافظات) مع انتخابات مجلس النواب، المرتقبة في 12 مايو المقبل. كما صوت البرلمان وقبل إجراء أربيل استفتاء الانفصال بأيام معدودة، على إقالة وزير المالية، هوشيار زيباري من منصبه وبالإجماع، بعد استجوابه بخصوص اتهامات بالفساد. حيث تم التصويت على إقالة الوزير زيباري خلال جلسة سرية برئاسة رئيس البرلمان سليم الجبوري حضرها 249 نائبا، صوت 158 منهم لصالح سحب الثقة من الوزير، وألزم البرلمان العبادي بنشر قوات أمنية في المناطق التي استولى عليها الأكراد عام 2003. الاستفتاء الملغوم وفي 25 سبتمبر، صوت غالبية سكان إقليم كردستان على استفتاء الانفصال عن العراق، وسط رفض محلي وإقليمي ودولي. وفي 26 من الشهر ذاته، أمهل رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إقليم كردستان 72 ساعة، لتسليم المطارات إلى حكومة بغداد، بعد 24 ساعة من الاستفتاء على استقلال الإقليم عن العراق. بينما دعا رئيس إقليم كردستان العراق وقتها، مسعود بارزاني، رئيس الحكومة العراقية إلى استئناف الحوار لحل المشاكل بين أربيل وبغداد، بعد الاستفتاء على استقلال الإقليم. وكان بارزاني قد أكد أن الإقليم بعد الاستفتاء سيجري محادثات مع بغداد "والاستقلال لن يحصل قبل سنة أو سنتين". ورفضت الدول الإقليمية والدولية ومن بينها المملكة، استفتاء الإقليم، حيث أكد خادم الحرمين الشريفين خلال اتصاله برئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي، على وحدة العراق ورفض نتائج الاستفتاء. كما أمر القائد العام للقوات المسلحة في 16 أكتوبر، القوات العراقية المشتركة لاستعادة المحافظة ومناطق متنازع عليها مع سلطات إقليم كردستان، وتمكنت خلالها من السيطرة على تلك المناطق بعد انسحاب سريع لقوات البيشمركة الكردية منها. وهدفت عملية فرض الأمن في كركوك فرض سلطة الحكومة الاتحادية على مناطق متنازع عليها مع الأكراد الذين سيطروا على بعضها عام 2014 وبعضها عقب الغزو الأميركي للعراق عام 2003. وبعد العملية العسكرية، أعلن رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني في 29 من أكتوبر، أنه "لن يستمر" في منصبه بعد الأول من نوفمبر. وأكد بارزاني في رسالته التي تليت في افتتاح جلسة لبرلمان كردستان "بعد الأول من نوفمبر، سوف لن أستمر في هذا المنصب وأرفض الاستمرار فيه، ولا يجوز تعديل قانون رئاسة الإقليم وتمديد عمر الرئاسة". كما أصدرت المحكمة الاتحادية العليا في العراق حكماً في 20 نوفمبر بعدم دستورية الاستفتاء، الذي أجري في 25 سبتمبر في الإقليم، وبقية المناطق خارجه، وأكدت المحكمة على إلغاء الآثار وكذلك كافة النتائج المترتبة عليه. ورحب رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، "بالحكم القضائي الذي أصدرته المحكمة الاتحادية العليا بعدم دستورية الاستفتاء الذي جرى يوم 25 سبتمبر 2017 في إقليم كردستان وإلغاء الآثار والنتائج كافة المترتبة عليه". واعتبر العبادي أنه "جاء معززا لموقف الحكومة الدستوري في بسط السلطة الاتحادية ورفض الاستفتاء وعدم التعامل معه، وندعو الجميع إلى احترام الدستور والعمل تحت سقفه في حل جميع المسائل الخلافية، وتجنب اتخاذ أي خطوة مخالفة للدستور والقانون". وسبق ذلك، إصدار الحكومة الكردستانية بياناً جاء فيه أنها "تحترم تفسير المحكمة الاتحادية العليا للمادة الأولى من الدستور، بالتأكيد على وحدة الأراضي العراقية، معتبرة ذلك "أساساً للبدء بحوار وطني شامل". اضطرابات شهدت غالبية مدن إقليم كردستان العراق، وأهمها محافظة السليمانية، ثاني أكبر مدن الإقليم، منتصف شهر ديسمبر تظاهرات واسعة شارك فيها آلاف الأشخاص، على خلفية الأزمة الاقتصادية الخانقة التي ضربت إقليم كردستان. وخرج الآلاف من المتظاهرين بينهم معلمون وموظفون في الدوائر الحكومية لم يتسلموا رواتبهم منذ أشهر، إلى الشوارع للمطالبة بمحاربة الفساد وإقالة الحكومة في كردستان وتحسين الوضع الاقتصادي. وصاحب تلك التظاهرات، أعمال عنف حيث أدت إلى مقتل خمسة أشخاص وإصابة أكثر من 167 بجروح متفاوتة. في حين أعلن حزبان هما حركة التغيير والجماعة الإسلامية انسحابهما من حكومة الإقليم. Your browser does not support the video tag.