لا يمكن أن تتطور الفنون دون تعلم وتخصص أكاديمي، هذه المعضلة التي كانت تؤرق السعوديين في الثلاثين سنة الماضية، بعد إقفال معهد الموسيقى في جمعية الثقافة والفنون عام 1988، وبعد المحاولات التي قدمتها سابقاً وزارة الثقافة والإعلام عبر إنشاء معهد الإذاعة والتلفزيون عام 2001، ثم إغلاقه بعد انتهاء الدورة الأولى، وقد تم توزيع من تخرج من العازفين إلى وظائف إدارية لا تمت بصلة لتخصصهم الموسيقي. كانت جمعية الثقافة والفنون تتصدى لإنشاء المعاهد الموسيقية منذ بدايتها في جميع مناطق المملكة، خاصة المدن الرئيسية، وتخرج منها عدة فنانين معروفين في الساحة الفنية، لكنها توقفت تحت تأثير ما يعرف بالصحوة آنذاك. يقول الفنان القدير محمد السليمان الذي كان ضمن آخر دفعة تخرجت من المعهد الموسيقي بالرياض: "كانت الجمعية مركزاً مهماً للثقافة الفنية، وكنا ندرس في المعهد دراسة أكاديمية لمدة تتجاوز العامين، إضافة إلى لقاء العديد من الفنانين وإنتاج بعض الأغاني التشجيعية، إلا أن المفاجأة كانت في إغلاق المعهد دون مبرر، الأمر الذي ساهم في تراجع الفن، وأصبحت الأغنية بعد ذلك بلا طعم ولا لون. رأي السليمان مثل رأي العديد من الفنانين الأكاديميين الذين ساءهم تراجع مستوى الأغنية السعودية، في ظل عدم تثقيف المواهب الغنائية التي ساهمت بشكل أو بآخر في تشتيت الموروث الفني وتشابه الأعمال. ماذا سيحدث لو كان لدينا معاهد وأكاديميات موسيقية يتعلم منها النشء الموسيقى والفنون بشكل عام؟، سترتقي بلا شك ثقافتنا وسترتقي معها الفنون، لاسيما وأن الموروثات الفنية تجاوز إحصاؤها أكثر من 350 نوعاً من الألوان الفنية، إضافة إلى تكاثر المواهب الموسيقية والفنية وامتلاكها لحاسة نادرة قل أن نجدها في دول أخرى وبهذا التنوع الثقافي، لذلك كله فإن فكرة المعاهد الموسيقية هي أهم عنصر تحتاجه الساحة الفنية السعودية، وهي إلى جانب تطويرها للفنون، ستساهم أيضاً في تنويع توجهات الشباب وتوسيع مداركهم، كما ستساعد على توطين الموسيقي العازف الذي يرافق المطربين في الحفلات الغنائية وأنشطة البرامج المنوعة. يقول الموسيقي السعودي الكبير سمير مبروك: "إن المعهد الموسيقي في جمعية الثقافة والفنون، وكذلك معهد موسيقى القوات المسلحة، ساهما بفعالية في تكوين التنوع الثقافي الفني، وأعطيا فرصة للخريجين بمرافقة الفنانين في حفلاتهم وتسجيلاتهم حينذاك، لكن الثلاثين سنة الماضية كانت قاصمة للحركة الفنية، حيث لا حفلات ولا مهرجانات، ولا تسجيلات، ولا معاهد، وابتعد الفنانون لتسجيل أعمالهم في الخارج، وحتى بعد عودة الحفلات مازال الفنانون لا يثقون في العازف السعودي، نظراً لعدم أهليته في قراءة النوتة الموسيقية". التجارب السابقة والناجحة لمعهد الموسيقى الذي افتتح في جمعية الثقافة والفنون تحت رئاسة الأمير بدر بن عبدالمحسن، أثمرت عن نتائج مهمة، منها تأسيس قسم الموسيقى في الإذاعة، وإنشاء تصنيف نجوم الفن. وإذا كانت الحاجة للمعهد الموسيقي مهمة في السابق، فإنها الآن أكثر أهمية مع مجيء رؤية الخير، الرؤية المباركة "المملكة 2030" التي تتضمن هدفاً رئيساً لكل بنودها يتمثل في تمكين الشاب السعودي في جميع المجالات واستثمار مواهبه وتسخيرها لخدم الوطن والمواطن. محمد السليمان آخر من تخرج من معهد الرياض