الحضور الكثيف داخل ردهات التواصل الاجتماعي تحديداً تويتر، (17 مليون تغريدة عربية تطلق يومياً كما تشير منظمة الأسكوا) يغري بأن نجعل منه مؤشراً لقياس الرأي العام الجمعي، نتعرف من خلالها على الاتجاهات الرئيسة والمزاج العام لمجتمعنا، ونطرح من خلالها بعض التساؤلات مثلا: * إلى أي مدى تتضمن هذه التغريدات مضموناً سلبياً يحمل التطرف والكراهية ضد الآخر؟ لا أمتلك جواباً موثقاً، لكن إرهاصاته واضحة، ومجمله يحمل مضموناً قطعياً قطيعياً بحمولة هائلة من التصورات السلبية ضد الآخر المختلف. وبالإمكان هنا أن نعزو هذا إلى أمرين: * المرحلة الانتقالية التي نعيشها والمتسمة بالتغيير السريع والمتواتر، تخلق من خلالها قلقاً اجتماعياً واسترابة كامنة من المجهول، ومن الغرباء القادمون من خلف الحدود، وارتفع بإزاء هذا خطاب محلي شوفيني يزدحم بالنعرات المناطقية والعشائرية الذي كان في السابق يتبدى موارباً على استحياء وخجل، بات الآن يصل إلى درجة الصراخ المتشنج ضد الآخر.. حتى ذلك الذي يعيش بيننا. الخوف من القادم هو سمة بشرية تظهر في الكثير من المجتمعات، وفي يوم ما عام 1844 عزا أهل الرياض الأوبئة والأمراض التي أصابت المنطقة وقتها إلى الحديث مع الغرباء من (أتراك ومستشرقين) فالخوف الجمعي ومحاولة الدفاع عن الكينونة والهوية لابد أن يكون له ضحية !!وإن كانت غير موجودة صنعها. ونرجو أن لا تكون ضحيتنا في الوقت الحاضر الوافدين النظاميين وعائلاتهم، أو أبناء المواطنات، أو الخبرات التي يمثل تجنيسها قيمة اقتصادية مضافة إلى الوطن. * الأمر الآخر الذي أعتقد أنه أسهم في تأجج الخطاب العنصري البدائي، هو غياب حواضنه التقليدية التي كانت تتوفر له عبر التاريخ، وأبرز تلك الحواضن التطرف الوعظي، والإقصاء المنبري الذي بطبيعته يرفض مفهومي التسامح والتعايش ويلوح بسيف التبديع والتفسيق وصولاً إلى التكفير بوجه المختلف، فهذه الحواضن التي حُيدت وغُيبت عن المشهد الآن خلقت فراغاً للنزعة الشوفينية البدائية. فأصبحت تحاول أن تتحقق عبر حواضن جديدة مثل بث النعرات، الشيلات، والترويج لخطاب مسرف في عنصريته داخل وسائل التواصل مثل: * لا للتجنيس، والسعودية للسعوديين.. وسواه.. من شعارات تعبر عن الخوف القديم الكامن في أعماق اللاوعي لجماعة تحدق بها الشرور وتتربص بها الأوبئة والأمراض التي يجلبها الغرباء. شيطنة الآخر وجعله مصدراً للشرور يعيدنا إلى مرحلة طفولية من عمر المجتمعات، ويقهقر الانتقال إلى المجتمع المدني المتعدد والغني بمحتواه الثقافي، حيث الدولة الكوزموبوليتانية الحديثة، والتي تحتكم إلى المرجعيات الدستورية القانونية، والتي في نفس الوقت ترى في الآخر النظامي المستجيب للقوانين، فرصة استثمارية، وتجد في توطينه خبرات وموارد ستصب لصالح الناتج القومي. دوماً الفترات الانتقالية تتسم بحساسية وتشنج.. لكنها حتمية وسنة كونية قائمة على أبدية التغير والتبدل.