هناك فرق كبير بين الوطنية والشوفينية. الشوفينية تعني التعصب الأعمى والشعور بالتفوق والاحساس بالاستعلاء على كل ما لا ينتمي للوطن. وهذه وطنية خرقاء أو غير رشيدة، وضررها أكبر من نفعها، هذا إن سلمنا جدلاً بأن هناك منفعة من أي نوع لمثل هذا الطراز من الوطنية. بناء على هذا الإحساس بالتفوق المطلق والأفضلية على الآخرين، يصنف الشوفيني العالم إلى ( وطني وأجنبي، نحن وهم ) وكأنه يعيش طوال حياته على إحدى جبهات القتال معتمراً خوذته وممسكاً ببندقيته ومتحمساً لخوض غمار أية عملية قتالية من شأنها أن تثبت تفوقه على الآخر – الأجنبي – الهُم. هذا التصنيف الخطير الذي يضع البشر ضمن خانتين لا ثالث لهما ( نحن – هم ) هو خطوة تمهد لادعاء كل صفات الخير للذات، ونفي هذه الصفات عن الآخر. والآخر في هذه الحالة هو كل ما لا ينتمي للوطن. حتى أبناء الوطن الذين لا يؤمنون بهذا الفكر، هم في النهاية ولو بدرجة أقل، آخرون، لا تنطبق عليهم مواصفات الأفضلية المطلقة بالرغم من اشتراكهم في الهوية الوطنية. الشوفينية هي المسؤولة عن انتشار ظاهرة الفاشية والنازية والعنصرية بكافة أشكالها في أوروبا، وفي العالم أجمع. وإذا كانت الشوفينية تعبر عن مزاج قومي أو وطني متعصب وتجسد شعوراً عاماً بالتفوق وتعكس صورة لا شعور جمعي يتسم بأقصى درجات الاستعلاء والعداء للآخر ، فإن هذا المزاج وهذا الشعور العام هو المسؤول عن ولادة الظواهر السياسية التي اتسمت بأقصى درجات التعصب والكراهية والجنون، كالنازية والفاشية. في بلادنا العربية ما زال المجتمع يخلط في غالب الأحيان بين الوطنية والشوفينية. وهذا هو السر الذي يكمن وراء انتشار مشاعر العداء للشعوب الأخرى. بل إن الأمر تجاوز ذلك بكثير ووصل إلى حد تنامي مشاعر الكراهية ضد الآخر حتى ولو كان شريكنا في المواطنة. أليست الشوفينية هي الانحياز لمجموعة عرقية أو دينية أو أيديولجية ما والادعاء بأنها تحتكر الفضيلة؟ إذن من الطبيعي ان تؤدي الشوفينية إلى ضم المواطن المختلف، إلى خانة الآخر الذي يمثل كل الشرور. ألم يقم هتلر بحرق الغجر واليهود رغم أنهم كانوا مواطنين ألماناً؟ الشوفينية هي ادعاء العصمة للذات وتصوير الآخر باعتباره شراً مطلقا. الوطنية تعني الاعتزاز بالهوية والعمل على تكريسها دون أن يؤثر ذلك بالسلب على الشعور بالانتماء للإنسانية كلها.