الأسبوع الماضي كأنها مرت غيمة دامسة مكتنزة بالآثام فوق العالم , فلم يمض وقت طويل بعد تفجر المواجهات الدموية العنيفة في ولاية فرجينيا الأميركية خلال مسيرة قام بها آلاف القوميين البيض والنازيين الجدد, التي اصطدمت بمظاهرة مناوئة لهم ,أدت إلى حادثة دهس ومقتل امرأة وإصابة 19 شخصا. وصدمة العالم بحادثة الدهس البشعة والتي راح ضحيتها العشرات في مدينة برشلونة الأسبانية الجميلة ,حتى أصيب يوم السبت 7 أشخاص من بينهم شخص بحادثة دهس في مدينة سدني الأسترالية . الأحداث المتتالية المتزامنة مؤشر على إن الفيروس العنصري لم يخمد في العالم ,بل يبقى كامنا ومن ثم ينشط عند أول شرارة, وتظل هناك بؤر مشتعلة قابلة للانفجار في أي لحظة, لتورمها بالمكون العنصري الذي عادة يحسم علاقته مع العالم عبر الفرز والتصنيف والعنف الدموي, وهي البؤر التي نمتلك كماً وافراً منها في المنطقة. المجتمعات البشرية انخرطت في صراعات ومواجهات وحروب عبر التاريخ, قائمة على التصفية والإزالة وقانون التغلب, والمكون الإنساني وشروطه القائمة على التسامح والتعايش هو مكون حديث وطارئ في تاريخ تلك المجتمعات, وقابل أن يتهاوى ويتفتت في أي لحظة . بدليل عودة النازيين الجدد بقوة إلى المشهد رغم الأشواط التي قطعتها الدول المتحضرة تحت مظلة الدول المدنية التي يقوم فيها الانتماء لمفهوم المواطنة, وليس العرق أو اللون أو النوع, مع السعي إلى العدالة الاجتماعية وتوظيف افكار فلاسفة التنوير وقيم التعايش والتسامح, ومظلة القوانين التي تجرم العنصرية ... لكن جميعها تظل هشة ومثالية, أمام المكون العنيف العنصري, لاسيما إن فيروس الخطاب العنصري عادة يتفشى بين العامة التي تتحرك عبر عواطفها ونعراتها العرقية والشوفينية وقد لايجدي كثيرا معها لغة ذات صبغة عقلانية وتراتب منطقي. عام 2015 وفي الدورة 28 لمجلس حقوق الإنسان في الأممالمتحدة, كانت أحد بنوده حول تجريم خطاب العنف والكراهية , أياً كان المظلة التي يستظل بها ويسوغ وجوده من خلالها . ويشير التقرير إلى دراسة قام بها مجلس حقوق الإنسان في أوروبا, شملت 23500 شخص, من الأقليات والإثنيات في أوروبا أشار 32% منهم إلى تعرضهم لتهديدات ومضايقات بدوافع عنصرية . وفسر التقرير هذا إلى (إن الكراهية عادة ما يشكلها ويغذيها ويبقيها ويوجهها أفراد بعينهم أو جماعات معينة ضد أفراد وجماعات أخرى مختلفة عن الأغلبية السائدة في الإثنية أو اللغة أو الدين، وكثيراً ما يكون ذلك لأسباب سياسية أو نظراً لتمييز راسخ طال أمده. ويمكن لرسائل الكراهية أن تجد أرضاً خصبة ذات مشاكل اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية أوسع نطاقاً أو انقسامات في المجتمع. وغالباً ما تكمن الأسباب الجذرية للكراهية في اختلافات إثنية أو دينية صرفة). قبل أن يؤكد التقرير نفسه على (أهمية أن تكون الحكومات والمجتمع المدني والمجتمع الدولي في حالة يقظة لتلقي إشارات الإنذار المتعلقة بالكراهية والعنف في وقت أبكر بكثير: عندما تُلفظ أولى كلمات خطاب الكراهية؛ أو عندما تبدأ وسائط الإعلام في الترويج لتصورات نمطية سلبية؛ أو بمجرد حدوث جو من عدم الارتياح والعداوة ). مازالت المسيرة البشرية باتجاه حقول التعايش والتسامح وقبول الآخر, مجهدة ومكلفة, ويتربص بها الكثير من العقبات ...لكنها تظل سفينة النجاة الوحيدة التي لابد أن يستقلها الجميع للنجاة من طوفان الدماء.