اتفق عدد من المختصين والتربويين على أن تدريس الفلسفة ومهارات التفكير للطلاب في مراحل التعليم العام في المملكة سيسهم بفاعلية في تعزيز الشخصية السعودية، وبناء القيم الإيجابية والمرونة لدى الطلاب وإنتاج عقول واعية وأكثر منطقية بما يرفع درجة الوعي بالذات واتساع مساحة القبول واحترام الآخر. وتشير الدراسات إلى أن الأطفال في سن الرابعة يسألون بين 20 و30 سؤالا في الساعة؛ كونهم فضوليين بطبيعتهم، أذكياء في ألعاب الأفكار ويحتاجون إلى من يكشف مواطن التناقضات الأخلاقية أو القيمية لهم. وتحدث ل «الرياض» روجر سوتكليف رئيس جمعية سايبري البريطانية التعليمية -المتخصصة في تقديم «الفلسفة للأطفال (P4C ) خلال اختتام البرنامج التدريبي الذي أقيم الأسبوع الماضي في الرياض لتدريب 32 معلما ومعلمة على تدريس الفلسفة ومهارات التفكير، أن هناك دراسات أثبتت أن الذين يدْرسون الفلسفة يكون تحصيلهم الأكاديمي أفضل، ويحققون مستوى أعلى من الإبداع بكل أبعاده، ويطرحون أفكاراً أصيلة وجديدة عند مناقشة المواضيع، ولديهم المرونة والقدرة على التفكير، والتعدد بالأفكار والبدائل الجديدة. واعتبر الخبير البريطاني أن توجه وزارة التعليم السعودية بإدخال المزيد من التعليم الرسمي للتفكير الفلسفي في مدارسها «الفلسفة للأطفال «P4C» قد يكون من أفضل القرارات التي يتم اتخاذها لإصلاح مسار التعليم على الإطلاق، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن الفلسفة ومهارات التفكير تم تطبيقها في مدارس الولاياتالمتحدة الأميركية والبريطانية وعدد من الدول المتقدمة، وكذلك بعض الدول العربية من أجل رفع معايير التعليم والتعلم في كافة المناهج، وقد ساهم ذلك بشكل كبير في تعزيز الفكر النقدي والإبداعي الخلاق لدى الطلاب. كما تحدثت ل «الرياض» أمل حمد الجمل مشرفة التدريب في إدارة التدريب التربوي والابتعاث بإدارة تعليم الرياض، بأن تدريس الفلسفة ومهارات التفكير تنتج عقولا واعية عند تعلمها وتكون منطلقة ومبدعة؛ حيث إن الطفل بطبيعته متسائل ولديه قدرة على التعبير بتلقائية، وذلك متى ما وجد البيئة الداعمة لانفتاحه والمساحة الأمنة ليكون هو بطبيعته الحقيقية، لذا الأفضل للطفل أن يكتشف ذاته وينطلق بعالم التفكير ليصل للحكمة الخاصة به. وقالت الجمل وهي إحدى المستفيدات من البرنامج التدريبي الأول لاكتساب مهارات تدريس الفلسفة للأطفال الذي نفذته شركة تطوير للخدمات التعليمية، إن تدريس الفلسفة للجيل القادم يسهم في رفع الوعي بالذات واتساع مساحة القبول والاحترام للآخر وإعطائه المساحة أن يكون شفافا وصادقا وأكثر وضوحا في مشاعره وأفكاره، خاصة وأنه توجد نقطة قوة لدينا كسعوديين في قيمنا الداخلية الإنسانية وأخلاقنا الإسلامية الجميلة التي تدعم هذا التفكير السليم. وترى الجمل التي شاركت ضمن 32 مدربا ومدربة مركزيين من وزارة التعليم للاستفادة من هذا البرنامج التدريبي تمهيدا لتدريبه لزميلاتهن، أن علم الفلسفة سيؤثر على المعلم والمعلمة قبل أن ينتقل التأثير إلى الطالب أو الطالبة، وتابعت قائلة: «من واقع تجربتي مع التدريب في مجال التعبير عن الذات والتعاون مع الآخر في إحدى مبادرات وزارة التعليم ضمن برنامج التحول الوطني، فإنني أرى أن المستقبل يحمل للجيل القادم الكثير من التطور والانفتاح وإيجاد بيئة متقبلة ستنعكس بشكل إيجابي على الطلاب والطالبات، خاصة عندما تكون مهارات التفكير من المناهج التي سيتعلمونها». وترى الجمل أن دمج الفلسفة داخل الأنشطة والمناهج من أفضل الخيارات، مشيرة إلى أن مهارات التفكير موجودة في التدريس وهي بحاجة لتطبيق المبادئ والقواعد التي تناولها البرنامج التدريبي الذي تم الاستفادة منه أخيرا، لكن لايزال الأمر يتطلب عمقا أكثر في التدريب كي نصل بالمعلم والمعلمة إلى مستويات متقدمة من مستويات الحكمة». داعية إلى أهمية إيجاد منهج مستقل لمهارات التفكير يدرس فيها علم الأخلاق وصنع القرار والقيم الفاضلة، أسوة بمواد المهارات الأخرى. وتفعيل النشاط بعمل حلقات حوارية للنقاش، «هو أمر يساهم في تفعيل مهارات التفكير بشكل غير منهجي أيضا». وفي السياق ذاته اعتبرت هند الدوسري المدير الفني في برنامج العلوم والرياضيات والهندسة والتقنية في شركة تطوير للخدمات التعليمية، أن تدريس مهارات التفكير الفلسفي للأطفال رحلة إبداعية تنمي الخصائص الفطرية لتشكيل العقل الفلسفي للأطفال، فالدراسات تشير إلى أن الأطفال في سن الرابعة يسألون 20-30 سؤالاً في الساعة، ويقل هذا الرقم كثيرًا في المدرسة، فالأطفال فضوليون بطبيعتهم، أذكياء في ألعاب الأفكار، ومهرة في الكشف عن مواطن التناقضات الأخلاقية أو القيمية. وبينت الدوسري أن برنامج تدريس الفلسفة ومهارات التفكير يستثمر الطبيعة الفطرية التساؤلية اليقظة للأطفال لتنمية تفكيرهم المنطقي، عبر تكوين «مجموعات الاستقصاء الفلسفية للأطفال»، فالأطفال «يفكروا معاً» في مجموعات الاستقصاء بعد تعريضهم لمحفز أو مثير ماتعاً للمجموعة، ويتضمن أفكارا كبرى (أفكار عامة، مركزية، تشاركية) تستثير أسئلة فلسفية. وذلك تحت إشراف المعلم «مُيسر الاستقصاء»، الذي ييسر ممارسات الحوار الإيجابي وتنمية العقل الفلسفي الجيد الذي يتأرجح بين الأسئلة «الكبرى (لها علاقة بالمعنى، الغرض، والقيمة) والأسئلة الصغرى وأغلبها أسئلة منطقية (ذات علاقة بالافتراضات والمصداقية، وضرب الأمثلة، والأدلة). بما يعمل على زيادة فهم الأطفال وتقديرهم للعالم المحيط بهم، وزيادة فهمهم وتقدير بعضهم، في بيئة آمنة ومريحة. من جانبه أكد الدكتور عبدالله العسرج المدير الفني في الأنشطة الطلابية والمجتمع في «تطوير التعليمية»، أن العالم أصبح في أوج التنافس في استخدام فلسفات وإستراتيجيات تطبيقية متنوعة في مناهج التعليم. وعلى الرغم من تنوعها إلا أن أبرزها فلسفة مهارات التفكير في الطفولة، التي راجت في التعليم العام، بل تتجاوز ذلك إلى قابلية تكييفها في بيئة البالغين. وقال: «هي ليست وليدة الصدفة بل هي نتاج لدراسات وأبحاث وتجارب منذ أكثر من 50 سنة حتى تشكلت وأصبحت في هذا القالب وبالتحديد، فالأمر الذي يميز هذه الفلسفة أنه عندما يدمج في المنهاج المكونات الأربعة الرئيسة لمهارات التفكير (الناقد، الإبداعي، التعاوني، والرعاية) مجتمعة من خلال الاستقصاء المجتمعي «بين الأقران» تثري الطلبة وتنمي لديهم ملكة التفكير وتعزز الثقة في النفس ويصبحون أكثر تأملاً من خلال استخدام المنطق وبذلك يصبح دور المعلم ميسراً في عملية التعليم بعيداً عن الأسلوب التقليدي السابق»، مشيرا إلى أن تطبيق هذا الأسلوب في بيئاتنا التعليمية سوف يكون نقلة نوعية وإضافة متميزة ذات أثر إيجابي على أبنائنا. د. عبدالله العسرج