كثيرًا ما يحلم ويتحدث المستشارون والتربويون والعلماء في كافة الأصعدة عن مساعيهم للنهوض بالفرد والأسرة والمجتمع، وتقديم خدمات واستشارات تحقق للمواطن النهوض بنفسه وبأسرته وبمجتمعه وخاصة في ظل الظروف الراهنة من كثرة تزايد أعداد الطلاق، والترمل، والانحرافات المختلفة، وانتشار الفكر الداعشي، والتهديد الصفوي الإيراني، وتراكم الضغوط بشتى أشكالها، وانتشار ثقافة التمركز حول الذات، والانشغال بالتقنية والبعد عن المخالطة الاجتماعية، وضمور الرغبة والدافع نحو التعليم، وتغير كثير من النسق والقيم، والركض وراء الحياة المادية ومتطلباتها الكثيرة. فمن حق المسترشد في أي مرحلة عمرية، وفي أي وضع، وفي أي مجال، أن يجد من يرشده ويوجهه في مجالات حياته بحكم علمه وخبراته وممارساته في المجال الذي يطلب المسترشد استشارته وتوجيهه، فديننا دينٌ قائم على مبدأ الشورى: (وأمرهم شورى بينهم). فكرة المشروع تتلخص في إنشاء مراكز استرشادية استشارية في كل مجالات الحياة، في المدارس والجامعات والمعاهد والأحياء، تجدول فيها البرامج والدورات التدريبية والتثقيفية، وتُقدم استشارات، ودورات، وورش عمل منوعة لتناسب جميع الأجيال، مع توفير أماكن للحصول على المشروبات والأطعمة، ومكتبة، وملاعب خاصة للأطفال.. على أن تكون خدمات هذه المراكز وفق آلية معينة، وتقدم برسوم في متناول الجميع، أو اشتراكات يومية أو شهرية أو سنوية شاملة الخدمات من مطاعم ومسابح وملاعب خضراء، وتكون تحت إشراف وإدارة جهات حكومية مسؤولة. ستساهم هذه المراكز في التطوير والتنمية البشرية، وستحافظ على النسيج الأسري من التفكك، وستساهم في إرشاد الأفراد، وسترتقي بالمجتمع خلال أزمنة بسيطة جدًا، وستعالج الكثير من المشكلات والضغوط الحياتية، وستدعم موروثنا العقدي والقيمي والوثائقي، وستتلاقح الأفكار، وستكون بداية للوصول للثبات الديني والأسري والتقدم المعرفي والتقني في ظل المتغيرات الحاصلة.. وهي فرصة لأن يفتح المجال للعمل للشباب والشابات، وأيضاً لذوي الخبرة من المتقاعدين والمتقاعدات، بخلق فرص وظيفية في مجالات عدة في هذه المراكز.. فالهدف هو التوجيه والإرشاد والإمداد الفكري الصحيح الموثق من دوائر حكومية مشرفة على المستشارين، ومتابعة وملاحظة للعمل ونتائجه. آمل أن يلقى هذا المقترح استجابة لدى المجالس البلدية والمسؤولين وأصحاب الأمر، وأن يتلاقى مع سياسة الدولة الحكيمة الحازمة التي تعزز قيمة الفرد ودوره في نهضة بلاده.. فهذه المراكز حاجة وطنية ومجتمعية نافعة ومثمرة للمواطن.. فما جدوى أن تمتلئ مناطقنا بالمولات والأسواق، وتكتظ الحركة الشرائية، والبنية الفكرية للفرد والأسرة مضطربة ومشوشة. * دكتوراة في علم دراسات الأسرة