لم تمر مدة طويلة على تساؤل صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل لقاطني مدينة جدة عقب افتتاحه مشروع تطوير الواجهة البحرية «ماذا أنتم فاعلون لهذا المشروع؟! هل ستحافظون عليه أم سأسمع غداً بعد تخريبه .. من المسؤول؟»، حتى شاهدنا وللأسف بعض مظاهر التخريب والتعدي على مكونات هذا المشروع التنموي من قبل ثلة من المخربين وأعداء التنمية. لقد أطلق سمو الأمير تساؤله وهو يستشرف ما سيحدث ويدرك تماماً ما حصل من تخريب لمشاريع ومرافق عامة مماثلة، فكم من مشروع جميل تدهورت حالته وحُرم الناس منفعته بسبب أعمال عنفوانية تجاه المشروعات العمرانية. إن ظاهرة التعدي والتخريب هذه تعرف لدى مخططي المدن بالعنف العمراني تجاه الممتلكات العامة وتعتبر من أهم المشكلات التي تواجه مشروعات التنمية، وهذه الظاهرة ليست وليدة اليوم وليست مقتصرة على مدينة جدة فحسب بل هي سلوك بشري يفسر من خلال السمات والأفعال التي يقوم بها البعض تجاه بيئتهم ومكوناتها العمرانية. الأمر الجيد هو سرعة القبض على مجموعة من أولئك المخربين من خلال رصدهم بأنظمة وأجهزة المراقبة الذكية، وهنا أطالب بتفعيل نظام حماية المرافق العامة الذي صدر بالمرسوم الملكي رقم م/62 في عام 1405ه، حيث نص النظام في المادة الخامسة: «يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سنتين وبغرامة لا تتجاوز مئة ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تعمد إتلاف أي من تمديدات أو منشآت المرافق العامة أو تعمد قطعها أو تعطيلها سواءً كان الفاعل أصلياً أو شريكاً». كما أتطلع لوضع إجراءات جزائية مفصلة بالعقوبات تجاه كافة المخالفات التي تتسبب في تدهور حالة المنشآت والمرافق العامة، لاسيما إذا علمنا أن سنغافورة التي تحتل المركز الأول كأنظف مدينة بيئياً في آسيا وفقاً لمؤشر المدينة الآسيوية الخضراء استصدرت قوانين صارمة تعزز الحفاظ على نظافة الأماكن فعلى سبيل المثال يعاقب بالسجن والغرامة والخدمة الاجتماعية والإجبار على تنظيف الطرق والحدائق ونشر صور المخالف في الإعلام وهو يقوم بالخدمة الاجتماعية فمن يرمي أي نوع من المخالفات أو المناديل في الشارع يدفع غرامة (1000 دولار)، أو يشرب سيجارة (720 دولار) أو يمضغ العلكة في المترو أو في الشارع (500 دولار). كما أجد أنه من المهم جداً القيام بدراسة هذه الظاهرة سلوكياً وعمرانياً فمن المعلوم أن للبيئة المحيطة دور في تشكيل شخصيه الفرد وسلوكه ونوعية العمل وأنماط المعيشة بالإضافة للظروف المكانية والمناخية التي هي من أهم المؤثرات الخارجية في تشكيل القالب الأساسي لشخصية الإنسان فهي تؤثر تأثيراً مباشراً على مسار الفرد العملي والعلمي في الحياة سواءً من تأثيرات إيجابية كالتطور المعرفي والتقني، أو تأثيرات سلبية كالعنف العمراني، والجريمة وخلافه.