يعتقد الكثير من الناس أن الأمن لا يخرج عن نطاق مفهومه التقليدي المعروف لدى الكثيرين. لكن الدائرة اتسعت مؤخراً لتشمل أنواعاً كثيرة ومهمة من الأمن يأتي في مقدمتها الأمن السيبراني الذي أصبح ضرورةً ملحة بعد ظهور الثورة الصناعية الرابعة أو ما يعرف بثورة البيانات، لأن فضاء الانترنت أصبح يعج بالتعاملات والمعاملات الإلكترونية التي تحتاج إلى تشفير وتأمين تلك التعاملات، لكي تكون آمنة وبمنأى عن الاختراق أو التهكير، ولأجل حماية البنية التحتية لأمن المعلومات في المملكة، لأن الحرب الإلكترونية أصبحت لا تقل شأناً عن استخدام المعدات الحربية في الحروب كالدبابات والصواريخ وغيرها. يعد مفهوم الأمن السيبراني أشمل وأوسع من أمن المعلومات، خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار حماية البيانات وتطبيقات المعلوماتية المختلفة مثل الحكومة الإلكترونية والتجارة الإلكترونية والصحة الإلكترونية والتعليم الإلكتروني والمجتمع المعلوماتي. لقد جاء إنشاء هيئة وطنية للأمن السيبراني في الوقت المناسب، بسبب تعدد الهجمات الإلكترونية التي تعرضت لها المملكة، ومما يدل على خطورة الهجمات الإلكترونية أنها أصبحت تعرف عالمياً بالحرب الإلكترونية أو حرب العصر، وذكر أحد التقارير المتخصصة أن المملكة جاءت في المرتبة الثانية عالمياً من حيث تعرضها للهجمات الإلكترونية، وأشار التقرير أن المملكة تعرضت خلال عام 2015 إلى حوالي 60 ألف هجوم الكتروني، والسبب في ذلك يعود إلى قوة اقتصاد المملكة، الأمر الذي يجعلها هدفاً مغرياً لقراصنة الإنترنت للحصول على بيانات الجهات الحكومية والأفراد والاستفادة منها، وخصوصاً البيانات ذات الصبغة المالية. ويأتي في مقدمة أهداف ومهام هيئة الأمن السيبراني: إعداد استراتيجية وطنية للأمن السيبراني، تأخذ في الاعتبار حماية البنية التحتية لأمن المعلومات وحفظ التعاملات الإلكترونية من الاختراق وسلامتها وسريتها وخصوصية المستفيدين، وحماية وتأمين شبكة المعلومات الوطنية من أي هجوم إلكتروني سواء من الداخل أو الخارج، وكذلك إعداد الكوادر الوطنية المؤهلة في مجال أمن المعلومات والبرمجيات. وبكل تأكيد فإن إنشاء الهيئة الوطنية للأمن السيبراني سوف يساهم في حماية أمن واقتصاد الوطن من مخاطر الهجمات الإلكترونية المحتملة، والتي لا تقل خطورةً عن الحروب التقليدية، بل إن الحروب التقليدية أصبحت تستخدم الهجمات الإلكترونية لتعطيل قدرات العدو من خلال البرمجيات الخبيثة وغيرها. وقد جاءت رؤية المملكة 2030 منسجمة ومتناغمة مع هذا التوجه، فقد نصت على دعم استخدام تقنيات المعلومات وتعزيز البنية التحتية الرقمية، لكي تكون ممكناً أساسياً لبناء أنشطة صناعية متطورة، ونشر خدمات النطاق العريض وتحقيق مراكز متقدمة عالمياً في مؤشر الأممالمتحدة للحكومة الإلكترونية، وهذا بطبيعة الحال يتطلب تحقيق الأمن السيبراني الذي يكفل النهوض بجميع تطبيقات المعلوماتية المختلفة في كافة المجالات. * أستاذ النظم الإلكترونية بجامعة الملك سعود