لكل حضارة تقويم تستند عليه وتاريخ تسير في ركابه، وكان لنا أن تأريخ أيامنا ارتبط بالتقويم الهجري الذي يرتبط بالقمر خلال دورة كاملة خلال شهر واحد نربط فيه أحداثنا ونوثق فيه أيامنا ونثبت فيه دخول مواسمنا الدينية. ولكن بدا أننا الوحيدون ممن يستخدم هذا التقويم مما أوجد تبايناً زمنياً في ظل أن التأريخ الميلادي السائد بين التواريخ المستعملة، والالتزام به حتى في البلاد الإسلامية، والأمر مرتبط أيضاً بالأرقام واستخداماتها، ورغم أن ما يتم استخدامه في عموم العالم هي أرقام عربية إلا أن أصرارنا على الأرقام الهندية وفرضها في كل تعاملاتنا أوجد تساؤلاً حائراً عن الزمن الذي سنتخلص فيها منها ونستعيد ما هو لنا. في الدعوة إلى اعتماد الأرقام المستخدمة حالياً في كل العالم ما عدا بعض قليل من الدول العربية، ومعها اعتماد التقويم الميلادي، نقول استخدامهما إلى جانب المستخدم حالياً وما هو معتمد رسمياً.. هو مواكبة لعصر بتنا نحتاج إلى مسايرته.. وحين تتجه مؤسساتنا التعليمية وجهاتنا الرسمية إلى اعتماد التاريخ والأرقام كما هو في العالم الآن، فلن تكون ضحية لعملية تغريب ومحاولة طمس هوية؟ لأن العالم بات قرية صغيرة وتواصله واضح والتفاعل معه واجب. نادينا بذلك بحيث تُدرج إلى جانب ما نستخدمه، لا أن تكون بديلاً نهائياً عنها، لكن هناك من غضب واستنفر ورأى في ذلك تحدياً لجانب شرعي، يجب عدم الاقتراب منه.. وعليه فقد بحثت وتقصيت عن الحرام في ذلك، انطلاقاً من أننا أصحاب فطرة.. لا نريد أن نقع في معصية، أو نخوض في منكر. ما نؤكد عليه أن الأرقام المستخدمة حالياً لدينا لم تستخدم أو حتى تنشأ وتعتمد إلا في القرن الثاني من الهجرة، أي أنها ليست من القرآن ولا توجيها نبوياً.. والأهم من ذلك أن التشدد بالرفض انطلق من التقليد والتغريب، وينفي ذلك أن كل ما هو أمامنا الآن يستخدم ذلك وبعضه يضيف إليه التاريخ الهجري، كواقع وجبت معايشته، وأحسب أنه يشبه في رفضه ما حدث للمذياع أولاً، ومن ثم التليفزيون من أنهما شر سيفتك بالأمة ثم ما لبثا أن كانا من أفضل الوسائل للذكر والتنوير. الشأن الأهم في الموضوع وهو الأساس الذي ننطلق منه أن كل ما يتعلق بحياتنا وأموالنا وعلاقاتنا كلها مرتبطة بالعالم، فبترولنا يخضع للتاريخ العالمي، ومصارفنا ترتبط بالأرقام العالمية وعلاقاتنا الدولية ورحلات الطيران معنية بالتقويم العالمي، والأحداث الدولية ومواعيد المستشفيات، وغيرها الكثير والكثير، حتى مواسمنا المناخية وفصولنا نضبط حركتها مع الدورة الشمسية لا القمرية، ونحن ندرك أن التاريخ الميلادي هو المرتبط بالأولى. الأهم في القول إنني لست بصدد البحث عن جدلية في أي من الأرقام افرنجي أو عربي أو هندي.. ولا حتى محاولة التأكيد على أن الأشهر الشمسية الميلادية هي المستخدمة أكثر عند العرب قبل الإسلام وبعده، ولكن بأسماء عربية.. فما نريده ونتمناه .. هو أن نواكب ما نحن عليه الآن وبما يفيدنا ويقربنا من قراءة الأحداث وفهمها من خلال اعتمادها في مدارسنا جنباً إلى جنب مع أرقامنا وتاريخنا الهجري، بعيداً عن توقع المؤامرة والتغريب.