هل هناك بعد من لم يقل قولة واحدة واثنتين وثلاث وعشر في الفساد المحيط بمشروعات تصريف مياه جدة وتصريف سيولها وهشاشة بنيتها التحتية وانهيارها مع كل زخة مطر؟ كل ما يجري هذه الأيام يدخل في عالم ما يُسمى (دِجا فيو déjà-vue ) أي إننا سبق ورأينا ما يمر أمام ناظرينا الآن.. كل المشاهد تكرر نفسها وكل الكلام نردده ونعيد صياغته من أوراقنا ومقالاتنا القديمة.. الكل تكلم واشتكى وانتقد وغضب وتألم ورفع الصوت وخفضه ووصل للمسؤول ومن تحته ومن فوقه، وغص تويتر والفيسبوك والانستغرام والسنابشات والواتساب بصور وفيديو لا تنتهي للمعاناة والمواقف والغرق والنجاة التي مر بها سكان جدة وصور حية لكل شيء يمكن أن يُصور بما فيها غرف البيوت، وكل شيء يخرّ ماءً وفساداً وتتساقط سقوف وأسماء وجدران وثريّات بل وقبب عملاقة كأوراق كرتون يلهو بها الأطفال، وتتحلل الذمم ومشروعات عقارية كبرى تبيع شققها بالملايين أمام كاميراتِ أرخص الهواتف النقالة. ولا تغيب نخوات جدة ومبادرات شبابها لإنقاذها وعلى رأسهم فريق "جدة جيبرز" الذي خصص رقم طوارئ واستعد بكل مركباته الخاصة لمساندة الدفاع المدني. كما نذكر قصص البطولة التي تحمل المفارقات كإنقاذ فليبيني لرجل عالق في سيارته وسط بحيرة من المياه فيخترق الماء سباحة أمام رتل من رجال الدفاع المدني في أحذيتهم الطويلة وأرواب نجاتهم وأطواقها في أيديهم ينادون الرجل العالق ويطلبون منه أن يخرج من الشباك الآخر أو هكذا بدا، حتى يصل إليه سباحة وينقله إلى اليابسة، واتضح أن الرجل السعودي كانت به إعاقة في قدمه. لحسن الحظ أن هذه السنة غير، فلدينا متغير.. لدينا الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، ولدينا نائب عام أُعطيَ الضوء الأخضر لممارسة صلاحياته لأبعد مدى لم يتردد وعلى الفور فوجه رئيس النيابة العامة بمنطقة مكةالمكرمة ورئيس دائرة محافظة جدة باستكمال مباشرة التحقيق مع (كائن من كان)، وأسرعت نزاهة لتستجيب بدورها وتبدأ بحثها في أسباب الخلل والقصور في أمر غرق جدة، فضلاً عن الخطوة الاستباقية التي قامت بها الهيئة بإيقاف عدد من المتهمين في قضية سيولجدة الماضية وإعادة فتح ملفها من أسبوعين. مع ملاحظة أن قضية سيولجدة ليست حديثة عهد فمشروعاتها واعتماداتها بدأت توثيقياً من عام 1400/ 1980 وتصل لمليارات الريالات التي اختفت مع الوعود وذابت بين المطر وملح البحر.. اليوم نريد أن يُحكم النائب العام قبضته على المفسدين ليحاكموا جميعاً كائناً من كان، ومعهم من برأهم وبرأ غيرهم من قبل واتهم السحاب.. اليوم نريد لكل مقصر أن يُحاسب سواء سرق أو قصّر في خدماته أو استعداداته أو إسعافاته.. كما نريد أن تُعوض خسائر الناس في أرواحها وخوفها على الأبناء والمال والمسكن بالحق.. ولذلك لن أقول المزيد ولا نريد أن نسمع المزيد، وإنما نريد فعلاً يبدد الأقوال.. نستزيده فيُشفي غليل النفوس وغضبها وألمها لمستقبل أكثر عدلاً وأماناً.