تجربتنا في المملكة كدولة وكمجتمع قصيرة جداً، وهي بعمر رجل لا عمر دولة، ونتيجة لذلك ونظراً لأننا نبدأ دائماً من الصفر فلا نستفيد من تجارب الأمم التي سبقتنا ولا نبدأ من حيث انتهوا، فقد حدثت أخطاء كبيرة أثناء مسيرة التنمية التي دارت عجلتها بسرعة كبيرة.. ومن تلك الأخطاء ما يتعلق بتدمير بيئتنا التي كانت من أكثر البيئات على كوكب الأرض نقاءً. وإهدار أثمن ثرواتنا الطبيعية وهو الماء، حيث تم استهلاك كميات ضخمة من المياه نتيجة تقارير غير واقعية عن مخزونات كبيرة من المياه الجوفية تحت الصحارى القاحلة، وكان من نتائج تلك الدراسة غير الموفقة إهدار ملايين الأطنان المكعبة من المياه التي ذهبت هباءً في بعض أنواع الزراعات غير المناسبة مثل زراعة القمح، وعندما تم التنبه متأخراً وتصحيح ذلك الخطأ وإيقاف تلك السياسة الزراعية اللامجدية في الصحراء المجدبة، كان ما يعادل بحيرات من المياه التي لا تقدر بثمن في بقعة من أكثر بقاع العالم فقراً مائياً وأشدها جفافاً قد تبخرت بلا عودة، حيث جفت عشرات العيون ونضبت آلاف الآبار واستنزفت مئات التكوينات المائية التي تكونت على مدى ملايين السنين، وتم استهلاك ما يزيد على 70٪ من المياه الجوفية غير المتجددة في التكوينات العميقة، وما يقارب 90٪ من المياه السطحية، أما القليل مما تبقى من المياه الجوفية فقد تلوثت بفعل مياه المجاري التي تسربت إلى باطن الأرض دون تنقيتها نتيجة تأخر مشاريع الصرف الصحي وعدم إنشاء محطات تنقية لمياه المجاري، كما تسربت إلى باطن الأرض أطنان من مخلفات المصانع التي تحوي مواد كيميائية سامة، ومخلفات المستشفيات التي تحتوي على فيروسات قاتلة ومواد كيميائية وإشعاعية شديدة الخطورة والسمية، نتيجة دفن المخلفات الطبية في بطون الأودية فتلوث التربة ثم تتسرب إلى جوف الأرض بفعل السيول فتصل إلى مكامن ومجاري المياه في باطن الأرض وتختلط بالمياه الجوفية، ليتم بعد ذلك استخراجها واستخدامها للشرب أو الزراعة مما يتسبب بأمراض خطيرة. وبالإضافة إلى ذلك فقد تم القضاء على الثروة الحيوانية،حيث انقرضت عشرات الأصناف من الحيوانات والطيور نتيجة الصيد غير المقنن. كما تم إتلاف الغطاء النباتي، نتيجة الرعي الجائر،والتسبب في زيادة التصحر بقطع الأشجار؛ مما أدى إلى تعرية الأرض، وتسارع وتيرة زحف الرمال، وتكرار العواصف الغبارية. يجب العمل حثيثاً على إصلاح البيئة التي تحتضننا، ونعيش في كنفها، ونتنقل في أرجائها، ونتقلب بين جنباتها، نشرب من مائها، ونأكل من ثمارها، ليس لأجلنا فقط، بل لأجل أبنائنا وأحفادنا، وإلا فإننا نكون في قمة الأنانية، خلافاً لما أوصى به رسولنا الكريم في الحديث الشريف في قوله عليه الصلاة والسلام: (إن قامت على أحدكم القيامة، وفي يده فسيلة فليغرسها).