آخر إحصائيات الأموال المودعة في صندوق إبراء الذمة 340 مليون ريال منذ فتح الحساب 2006، وآخر التقديرات الواردة من النائب العام -حول التحقيقات الجارية مع المتهمين في قضايا فساد- 375 مليار ريال أسيء استخدامها من خلال الفساد المنظم والاختلاس على مدى عدة عقود. والفارق بين الرقمين كبير جداً، ويكشف أن تأنيب الضمير وحده لا يكفي ولا يعوّل عليه للتعامل مع كل من تطاول على المال العام، والبديل الأمثل والأقوى والأسرع هو المواجهة العلنية وفق إجراءات نظامية، ومستندات إدانة واضحة، وهو ما اتخذته اللجنة العليا المشكلة لمكافحة الفساد برئاسة ولي العهد، حيث تركت باب التسوية متاحاً بين استعادة المال أو التوجه إلى القضاء -كما أوضح ذلك وزير الخارجية في حديث متلفز سابق-، إلى جانب احتفاظ الدولة بالحق العام تجاه كل متهم. إعادة الأموال المختلسة إلى خزينة الدولة مهم في هذه المرحلة ليس بحثاً عن المال المنهوب فقط، ولكن لاجتثاث الفساد، وتقزيمه أمام قوة الدولة وهيبتها، وتحقيق العدالة، والنزاهة، وتمكين مؤسسات الدولة من دورها الرقابي، حيث لن يتردد أي مسؤول بعد اليوم من الرد على استفسارات هيئة مكافحة الفساد التي عانت كثيراً من التجاهل، ولن يتأخر عن الحضور عن مذكرة استدعاء من النيابة العامة، ولن يتهرّب من أي شكوى إدارية أو مالية ترفعها أو تتلقاها هيئة الرقابة والتحقيق، أو يبرر عجز مؤسسته بين إيراداتها ومصروفاتها أمام ديوان المراقبة العامة، ولن يتهرّب من مسؤولياته تجاه جهاز أمن الدولة. المجتمع اليوم أمام حرب معلنة ضد الفساد، ولن ينجو منه أحد مهما كان اسمه ومنصبه ونفوذه، ولن يكون الضمير سلاح الدولة في المواجهة، بل ستكون القوة والحزم سبيلاً لاستعادة الأموال المختلسة، ونهجاً جديداً لا تراجع عنه، ولا استثناء فيه، ولا مساومة أو مزايدة عليه، وهو ما جعل العالم ينظر إلى السعودية الجديدة بكثير من التفاؤل والثقة في بناء مستقبل أجيالها، وإدارة أموالها، وجذب المستثمرين إليها. استمرار المهمة يقتضي دمج المؤسسات الرقابية (ديوان المراقبة العامة، هيئة مكافحة الفساد، هيئة الرقابة والتحقيق) تحت مظلة واحدة بمسمى (هيئة الرقابة ومكافحة الفساد)، تسندها النيابة العامة وأمن الدولة في التحقيق والضبط، وتنتهي إلى القضاء في مشروع وطني مكتمل الأركان للحرب على الفساد. ويتطلب أيضاً إيجاد مراجعين داخليين في كل جهة حكومية تابعين للمظلة الرقابية الجديدة لضمان سلامة المال العام، وحوكمة إجراءاته، وردع المتطاولين عليه، ومنع أي تجاوزات في وقتها قبل أن تتضخم وتتحول إلى قضية فساد، على أن تكون اللجنة العليا لمكافحة الفساد داعماً ومنسقاً وموجهاً للتحرك في أي وقت، والضرب بيد من حديد.