احترقت "زرايب العبيد" آخر معاقل العبيد في ليبيا حسب الروائية نجوى بن شتوان في الزمن الإيطالي، حمل الاستعمار أفكاراً مغايرة لأفكار أهل البلد، فألغوا الرق، وتبخّر ما تبقى من العبيد في سماء ليبيا مع دخان الحريق. وكان يمكن لهذا الموضوع أن يموت إلى الأبد، وكأنّه لم يكن، لكن الرياح تهب بما لا تشتهي السفن. بعد سنة من صدور الرواية، وإزاحتها قليلاً عن عرش البوكر العربية، انبعثت صراخات العبيد الأفارقة مجدداً من ليبيا، لتعود الرواية مجدداً للمشهد الثقافي العربي وتثير الأسئلة مجدداً عن سبب حرمانها من الجائزة، إذ لعلّ الرواية وحدها كانت ناقوس إنذار مبكر لعودة الرق من هناك، من حيث احترقت الزرايب وظنّ العبيد أنهم تحرروا إلى الأبد. لماذا لم يكن موضوع الحرية مهماً بالنسبة للجنة التحكيم آنذاك؟ وأي موضوع آخر أكثر أهمية اليوم بالنسبة للمثقف العربي غير موضوع الحرية الذي أرّق الشعوب وأدخلها في إعصار حروب تزداد ضراوة؟ موضوع الرق الجديد ليبياً شغل الصحافة العالمية بعناوين عريضة، فيما لا يزال خبراً " منقولاً" في إعلامنا... تحولّت ليبيا إلى محطة خطيرة لبيع وشراء الأفارقة السود كعبيد، ويبدو أن الأمر لا يعنينا كثيراً نحن الغارقون في مستنقع لا أول له ولا آخر... في معاقل على الساحل الليبي يتفق سماسرة البشر من عدة دول أفريقية على إلقاء القبض على الهاربين من النيجر ومالي ودول الجوار من عمق القارة السمراء وبيعهم من أجل خدمة الأثرياء من ذوي البشرة البيضاء بسعر بخس ولكنّه في الحقيقة يمثل سعر الإنسان الأفريقي في أعين العالم اليوم. كون رواية "زرايب العبيد" لم تثر حس المثقف العربي ونخوته وضميره فإن الأمر في بالغ الخطورة، أما كون الأمر برمته لم يحرّكهم بعد انفجار هذه الفضيحة إعلامياً عبر قنوات عالمية مثل سي أن أن وغيرها فإن الأمر ينبئ بموت هذا المثقف سريرياً، ولا أدري إن كان هناك أمل في شفائه. لم يكن هذا وضع رواية "جذور" للأميركي أليكس هالي ذي البشرة السوداء حين كتب عن أول أجداده الأفارقة الذين ألقي عليهم القبض في الأدغال الأفريقية ونقلوا مثل البهائم إلى أميركا في القرن الثامن عشر، إذ نالت الرواية جائزة الكتاب في الولاياتالمتحدة سنة 1976، ثم نالت جائزة بوليتزر في السنة التالية 1977، وجوائز أخرى، وبلغت مبيعاتها آنذاك 1,6 مليون نسخة خلال الأشهر الستة الأولى لصدورها، وترجمت لسبع وثلاثين لغة وزاد نجاحها بعد أن تحولت إلى مسلسل تلفزيوني حصد نسب مشاهدة عالية على المستوى العالمي. أنتجت الرواية حركة ثقافية ضخمة ساهمت في نشر المساواة بين الأفراد في أميركا والتوقف عن تصنيف البشر حسب ألوانهم، وقرّبت الحقيقة التي كانت تجهلها أجيال عن ذلك الأفريقي المسلم المسالم الذي خرج ليحضر حطباً من الغابة فوجد نفسه في قبضة رجل أبيض مسلح قذف به في باخرة وأبحر به بعيداً عن الديار إلى الأبد، أتقن الكاتب بمخيلته الحساسة وصف عذابات ذلك الرجل وتقفى آثار نضاله وحياته في أرض المغامرين تلك مستعملاً جماليات الأدب لا غير ليقنع ذلك العنصري المقيت بحجم جريمته. أليكس هالي تحوّل بيته في هينينغ بولاية تينيسي الأميركية حيث كتب روايته إلى متحف يمكن زيارته لمن سمحت له الظروف، أما نجوى بن شتوان كاتبتنا فهي واحدة من الأدمغة العربية المهدورة المهاجرة وتعيش في روما.