شرّعت المملكة في عام 1428ه نظاماً لمكافحة الجرائم المعلوماتية ثم ألحقته بضوابط لاستخدام الحاسبات الآلية وشبكات المعلومات في الجهات الحكومية، وفرضت على كل جهة حكومية أن تقوم بوضع سياسة للأمن الإلكتروني خاصة بها، ولكن مع التطور التقني السريع وما يرافق ذلك من مخاطر إلكترونية، سيكون لزاماً إيجاد قواعد قانونية لتنظيم تلك المتغيرات وتحديد المسؤوليات. ومن ضمن الجهات الحكومية التي شملها التحول الوطني الإلكتروني كانت وزارة الصحة، فقد تبنت إستراتيجية وطنية للصحة الإلكترونية تهدف لتوحيد المعلومات والعمليات ولتتمكن من تقديم الخدمات الصحية للمرضى بدقة وكفاءة وتوفير سجل صحي إلكتروني متبادل على مستوى جميع مناطق المملكة، بالإضافة إلى توفير خدمة التشخيص الإلكتروني السريع للمريض وكل ذلك سينطلق من تسجيل المعلومات الشخصية والصحية للمريض. إن التحول في قواعد المعلومات من النمط الورقي إلى النظام الإلكتروني يثير مسألة مهمة جداً وحساسة ألا وهي حماية البيانات والخصوصية. ففي القطاع الصحي على سبيل المثال أصبح تخزين معلومات المريض واستيرادها عن طريق إلكتروني، وقد توفرت تطبيقات إلكترونية للأجهزة الذكية، هذه التطبيقات تطلب من المريض تسجيل معلوماته الشخصية بالإضافة إلى التاريخ الصحي للمريض من أجل تقديم خدمات طبية واستشارات للمريض، ويوجد تطبيقات مرتبطة بمنشآت صحية معينة، يستطيع المريض من خلالها إجراء مواعيده ومراجعة تقاريره الطبية والأدوية المصروفة له. ولكن هذا التطور سيواجه تحديات قانونية عديدة، من أهمها احترام الخصوصية والذي يعد من أهم حقوق الإنسان المعترف بها محلياً ودولياً، بالإضافة إلى تحديد المسؤولية القانونية في هذا المجال، وقطاع الصحة يعد إحدى البنى التحتية الأساسية لأي دولة وأي مساس بها يهدد الأمن الوطني. فأي خلل في عمل التطبيق بالطريقة الصحيحة أو اختراق لهذه التطبيقات أو سرقة المعلومات، من سيكون المسؤول عن ذلك؟ وما هي حدود تلك المسؤولية، كما أنه من الممكن أن يتم تسريب معلومات عن طريق مزودي الخدمة أو عن طريق الجهة المخولة بإعداد هذه التطبيقات ومتابعة عملها وهم ما يعرفون بالمطورين، وفي أحيان كثيرة قد تتم الإشارة في وثيقة الخصوصية إلى السماح لطرف ثالث بمشاركة بيانات المريض، وقد يقوم المريض بالتصديق والموافقة عليها، وأحياناً أخرى لا يتم ذكر ذلك البند. ومن الأمثلة لمدى خطورة وجدية هذا الأمر ما حصل في الولاياتالمتحدة، حيث إنه في 2013 تم تغريم إحدى منشآت الرعاية الصحية "WellPoint " مبلغ 1.7 مليون دولار، لخلل إلكتروني في التطبيق الخاص بها والمتعلق بقواعد البيانات والحماية. إن نطاق عمل هذه التطبيقات قد يتخطى حدود الدول فيكون الطبيب الذي يجيب على استشارة مريض في دولة مختلفة عن دولة طالب الاستشارة، وهنا تتداخل بنود المسؤوليات، وتظهر مشكلة تحديد الاختصاص القضائي وتنازع القوانين. كما تثير هذه المسألة عدة تساؤلات قانونية أخرى؛ فما مدى مسؤولية الطبيب عن أي أخطاء طبية تسببت في ضرر للمريض بسبب معلومات خاطئة في سجل المريض سجلها بنفسه أو بسبب تلاعب بالمعلومات من طرف خارجي؟ وما مدى مسؤولية الجهة مطلقة التطبيق؟ ومن المسؤول عن انتهاك خصوصية المريض وتسريب معلومات لو قامت الجهة الصحية باتخاذ الاحتياطات اللازمة؟ وما الإجراءات المتبعة؟ وكيف يكون الرادع هنا؟