قلت، في مقال الأسبوع الماضي، إن دخول صندوق الاستثمارات العامة في الاستثمار الداخلي أمر مهم، بل هو ضروري تقتضيه المرحلة. السبب هنا يكمن في الحاجة للدخول في مشروعات قد لا يستطيع القطاع الخاص، أو هو لا يرغب، الدخول فيها، ثم هو أيضاً دعم وتحريك للاقتصاد، إذ ليس من المقبول أن تتركز استثمارات الصندوق خارج المملكة، لأن هدف الدول من الاستثمار، أي استثمار، ليس فقط تحقيق عائد مادي، ولكن هناك أهداف تتعلق بإيجاد الوظائف وخلق فرص أخرى، حيث بعض المجالات التجارية والصناعية والخدمية تسهم في توليد فرص أخرى. صحيح أن بعض رجال الأعمال لا يرغبون في ذلك، ويرون أن دخول الصندوق يعتبر منافسة لهم، وللقطاع الخاص، والأولى أن تترك الساحة لذلك القطاع ليقوم بذلك، ولكن هذه وجهة نظر لا أجد لها سنداً قوياً، وكما قلت لأحد رجال الأعمال الذي يحمل وجهة النظر هذه: اعتبروا الصندوق مستثمراً أجنبياً، ألسنا نشجع الاستثمار الأجنبي ونقبل رؤوس المستثمرين الأجانب للاستثمار في بلادنا. لهذا، فقد سعدت بالأخبار المتوالية عن قيام الصندوق بإنشاء عدد من الشركات في الأسابيع الماضية، والسعادة ستزداد حينما يؤخذ في الحسبان عند إنشاء هذه الشركات التنوع الجغرافي وتوزيعها بين مناطق المملكة، لأسباب كثيرة يأتي في مقدمتها، الإسهام في خلق الفرص الوظيفية ودعم التنمية الاقتصادية في تلك المناطق. وحيث إن الصندوق متوقعاً له أن يستمر في إنشاء العديد من الشركات، بل إن أعمال الصندوق ونشاطاته ستزداد بعد بيع جزء من شركة أرامكو، فإن الاهتمام، من الآن والتخطيط للكيفية التي سيتم من خلالها متابعة أعمال الصندوق واستثماراته والرقابة عليها أمر لا بد من الاهتمام به وأخذه في الحسبان، وبالذات في بداية الانطلاقة الجديدة للصندوق وقبل أن تتنوع استثماراته وتتعدد شركاته. إن الأمر مهم جداً وإذا لم يكن هناك جهاز رقابي قائم وقادر على القيام بهذا الدور، فعلينا أن نوجد جهازاً يقوم بهذا الدور، أو تدعم الأجهزة الرقابية القائمة لتتمكن من القيام بذلك. سيكون الصندوق والقائمون عليه مشغولين بالاستثمار ومطاردة الفرص الاستثمارية هنا وهناك، وفي خضم ذلك من المتوقع أن يحدث بعض الأخطاء والتجاوزات التي بحاجة إلى جهة مستقلة لمتابعتها والوقوف عليها وإصلاحها. إن عمل الجهة الرقابية يجب ألا يتوقف فقط على اكتشاف الأخطاء ومعالجتها، ولكن عليه أن يتجاوز ذلك، ليشمل على سبيل المثال التأكد من الآلية التي يتم بها اختيار أعضاء مجالس إدارات الشركات التابعة للصندوق وتحديد مهامهم ومتابعة أدائهم لأدوارهم، وكذلك اختيار تلك الشركات لمشروعاتها وعقودها وإدارتها لتلك المشروعات والعقود وغير ذلك مما يحتاج المتابعة والمراقبة.