الخامس عشر من صفر 1439، الرابع من نوفمبر 2017 سوف يُعلن في بلادنا "اليوم الوطني لمحاربة الفساد" والذي لا بد أن نحتفل به سنوياً إن لم يكن يومياً.. حين أعلنها ملكنا حرباً على كل مستغل وفاسد ولص ومرتش ومنتهك للأمانة.. اليوم الذي انقشعت فيه الغمامة التي كانت تحجب ما بين المواطن والمسؤول الأكبر عما كانوا ينادون به، يطالبون به، يشتكون منه، يعانون منه، يخافون منه، يتضررون منه.. أشعل النور وانكشفت الغمة وأصبحنا نرى جميعاً نفس المشهد.. مشهد الفساد والمفسدين وراء الكوارث الاقتصادية والصحية والتعليمية والدفاعية والأمنية والبلدية والإنسانية والطبيعية التي أنهكت مقدرات بلادنا لعشرات سنين مضت متوالدين ومستشرين في بيئة كانت تغض الطرف وتخشى المتنفذين وتجامل صاحب السلطة والجاه.. ليس كالفساد آفة تولد الإحباط لدى البشر وتقتل الطموح وتشتت الولاءات وتخسّر الشعوب طاقاتها وقواها وشبابها وشيابها.. كم من شباب في زمن ماض قُتل طموحهم العلمي بفساد مسؤولين قدموا عليهم أبناءهم وأقاربهم الفاشلين وخسرتهم بلادنا؟ كم من فرص اقتصادية في زمن ماض مرت بها بلادنا ضاعت بفساد مسؤولين مرتشين ولصوص أضاعوا تنمية ومشروعات تساقطت الواحدة بعد الأخرى؟ كم من أفراد وأسر جمعوا تحويشة أعمارهم عبر عشرات السنين ليضعوها في استثمارات أسهم ليخسروها في غمضة عين لفساد هوامير الأسهم والمكلفين بالإشراف على الأسواق المالية، كم أرملة ومطلقة جمعت ما تملك من قليل ووضعته في بناء بيت العمر الذي يؤويها وأطفالها لتجد نفسها بين يوم وليلة وقد غرقت وبيتها وكل ما تملك بينما المسؤول الكبير يتهمها بأنها بنت في أرض عشوائية دون أخذ التراخيص اللازمة، كم روح قضت في سيولجدة تسأل عن حقها وقد برأت محاكمنا كل المسؤولين وحكمت على الأجواء بالذنب، كم وكم ممن ذكرنا وممن نكرنا.. لا ينتهي العد ولا تنتهي الأمثلة ولا ينتهي الألم إلا عندما يستعيد الإنسان حقه وعدله. حساب الدنيا قبل حساب الآخرة مهم فهو الذي يعطي المثال ويعزز الثقة في العدل والإيمان بأن الباطل لا دوام له على الأرض وتحت الأبصار وفي كتب التاريخ المعاصرة. القصص سوف تترى عن استغلال النفوذ في الإسكات والإقصاء والفحش في السلطة والثراء دون اكتراث لحسيب أو رقيب. وسوف إن لم يكن بدأت قوافل الهاشتاغات تستعرض أشكالاً من الفساد لا تخطر على بال ولا خاطر.. والفساد أشكال وألوان وأحجام.. منه ما ينال من فرد ومنه ما ينال من شعب ومنه ما ينال من فكر ومنه ما ينال من قلب، وكلها قاتل على المدى البعيد وربما القريب إن لم نستدرك. كنا دوماً نكتب ونصرح بأن الفساد لا رابح من ورائه وكل الرابحين مؤقتون سوف يلقيهم التاريخ في سلة مهملاته إن لم ينتصروا للإنسان. كم أنا سعيدة بأني أحيا هذا اليوم.. سعيدة بأن أرى بلادي وملكي ينتصر للحق والعدل. آن لبلادنا أخيراً أن تتنفس هواء نظيفاً نقياً.. لكن لا بد ونحن نحتفي بهذا الانتصار أن ندعو إلى الاحتراز من أن تأخذنا الحمية وننسى أننا لا بد أن نخط بداية جديدة لأسلوب جديد في التعامل مع المحاسبة.. ألا وهي الشفافية.. فتأسيس المحاسبة والشفافية هو ما سيقود إلى العدل والأمن ومن ثم النوم ملء الجفون.