كانت الفنانة القديرة الراحلة وردة من أكثر الفنانات تلقائية وخاصة على المسرح، ولها مواقف كثيرة في هذا السياق، منها ما سجلته في إحدى حفلاتها عندما سخرت بقسوة خلال فاصل بين أغنيتين من أحد الحضور بسبب أغنية طلب منها أن تغنيها، وكانت الجماهير تضحك بصوت مرتفع تفاعلاً مع خفة ظلها، ومع ذلك لم يظهر بعدها أي مقال في أي مجلة يهاجم وردة ولا حتى قبل ذلك الحفل أو بعده، ولم ينتقد أحد تلقائيتها يوماً بل كان الجميع يعشقها. مرت السنوات فظهرت لنا نجمة جميلة حساسة صاحبة صوت دافئ ساحر واختيارات موفقة، تشبه وردة في كل شيء، إلا تلقائيتها، وهي شيرين.. التي تقف على الجانب الآخر تماماً، تفصل بينها وبين وردة شعرة رفيعة للغاية ألا وهي التلقائية. شيرين التي كانت تُلقب ب»ملكة الإحساس» أصبحت «ملكة الاعتذارات» بعدما كسرت كل الأرقام القياسية بعدد الأخطاء الفادحة التي ارتكبتها على المسرح وخلال المؤتمرات الصحفية واللقاءات الحوارية، لتخرج قائلة بعد كل غلطة «أنا آسفة» معتقدين أنها تعقد هدنة مع الجميع، لتعود وترتكب خطأ آخر أكثر «حماقة». شيرين «التلقائية» لم تكتفِ بفعلتها التي لم يمر عليها خمسة أشهر بعدما وقفت على أهم مسارح تونس الشقيقة لتشبهها بالبقدونس الأخضر، بل وصلت بها «التلقائية» حد أن «تنكت» على بلدها فوق مسرح مهم في دولة أخرى!، معتقدة أن الأمر سينتهي كالعادة ب»آسفة» وكفى!. كل ذلك لأنها غنت لمصر «ما شربتش من نيلها» وتغزلت بجمالها وجمال الحياة فيها رغم كل الصعوبات، ومن ثم عادت لتشتم ذاك النيل أمام جمهور بلد آخر، بدلاً من أن تعتذر برقي أو تغني مقطعاً واحداً بدون موسيقى كما كان ليفعل أي فنان ناضج يملك تاريخاً أقصر وأقل نجاحاً! وبرغم أن الجميع طعن بوطنيتها، بعدما تحولت إلى «ترند» في معظم دول الوطن العربي وتقرر إيقافها عن الغناء في مصر لحين الانتهاء من تحقيقات تم فتحها بذات الشأن، إلا أن الأمر لا يتعدى كونه استخفاف اعتادت أن تمارسه، والسبب الإعلام والجمهور المتسامح. المشكلة أن الأغنية الوطنية بالنسبة لشيرين وغيرها ليس لها علاقة بحب الوطن، بل يتم التعامل معها ك»سبوبة» أو «مصلحة» تؤدي غرضاً معيناً وتأخذ وقتها وتنتهي، بينما نحن نظل نسمع تلك «السبوبة» مصدقين كل كلمة جاءت فيها، بعدما فقدت الأغنية الوطنية قيمتها وأصبح كل من هب ودب يؤديها، حيث كانت في الماضي لا تُحال إلا لكبار الفنانين وأكثرهم هيبة ومصداقية على المسرح، فتجدهم يتعاملون مع الوطن وكأنه «الحبيبة» الوحيدة، ومع الأغنية الوطنية وكأنها عاطفية بحتة. شيرين اعتذرت، وقالت «أنا آسفة» معتقدة أن هذا كاف، جعلت من الأمر «مجرد خطأ» مؤكدة على وطنيتها التي لم يشكك بها أحد، هم فقط شككوا بمدى أهليتها لتغني لمصر أو تتغزل بها، على اعتبار أن تلقائيتها غير مسؤولة وإحساسها بأهمية الفنان غير ناضج على الإطلاق، وإلا لكانت صدقت هي أولاً ما قامت بغنائه سابقاً عن النيل حتى وإن كان الواقع يقول عكس ذلك!. وبالفعل، شيرين اعتذرت ولكن الجمهور لم يقبل اعتذارها ولا زالت حديث الجميع، والسبب أنها كانت تحاول عبر اعتذارها أن تلعب دور الضحية التي لا تتعمد الخطأ ولكن هناك من يتربص بها، بينما كان بإمكانها الضرب ب»نظرية المؤامرة» عرض الحائط والتوقف عن ذكر كلمة «تلقائية» كلما شاءت الاعتذار، فشيرين ألحقت العار بتلك المفردة وصار الجميع يهرب من أن يوصف بها وكأنها جريمة.. أنت تلقائي إذن أنت «ملك الاعتذارات»!