لأن مراحل التحوّل أو الإصلاح في المجتمعات، غير سهلة أو بسيطة، يكون على كل عاقل أن يدرك ضريبة هذا التحوّل ولن أقول كلفته، خاصة إذا تزامن مع محاولات جادة لتصحيح أوضاع خاطئة سادت طويلاً حتى أصبحت «عُرفاً» أو تقليداً، سواء اجتماعياً أو ثقافياً أو حتى في الصورة الذهنية العامة. وإصلاح أي مجتمع لابد أن يكون عبر شفافية واضحة، وإرادة مسؤولة وقادرة سعياً لتحسس مكامن الخلل، ومن ثم علاجها ووقف نزيفها، من خلال آليات ووسائل منهجية تحقق المطلوب شعبياً، وهو الأمر الذي تجلى عبر الإجراءات الملكية الأخيرة التي استهدفت مكافحة الفساد في مجتمعنا. صحيح أن الفساد قديم قدم التاريخ البشري، وصحيح أنه لا يمكن تجفيف منابعه بشكل مطلق، ولكن لأن مملكة الحزم والعزم في عهد خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين، قد رفعت شعار مكافحته على رأس أولوياتها، لذا كانت الإجراءات التي تم الإعلان عنها في تقديري جزءاً أساسياً من منهاج الحكم السعودي في المرحلة الراهنة، بمثل ما هي مطلب شعبي، التف حوله جميع المواطنين، ورأوا فيه ترسيخاً لأطر وأهداف حلم الدولة السعودية الجديدة المنشودة على كل المستويات. مخطئ من يظن أن قيمة إجراءات المحاسبة في مجرد مبالغ خيالية سيتم استردادها لخزينة الدولة، أو في مجرد أشخاص اختلفت مناصبهم ومسؤولياتهم يجب مساءلتهم، أو في أن مكافحة الفساد مجرد عنوان «شعبوي» يحظى بتأييد جارف.. أبداً، بل بالعكس، قيمة هذه الإجراءات من وجهة نظري كمواطن، هي إعلاء مفهوم قيمة الوطن مرة أخرى، ورسم صورة معاصرة له، تنهي للأبد تلك الصورة السلبية التي يروجها عنا المرجفون والحاقدون والمتآمرون، سواء من الداخل أو الخارج. إعلاء مفهوم الوطن هذا، هو ما يجعل من إجراءات مكافحة الفساد، مجالاً لا يقل أهمية عن الفكرة الوطنية التي يعبر بها أبناؤنا على الحد الجنوبي ببسالتهم ودمائهم من أجلنا كشعب، وهو ذات المجال الذي يربط بين الأمانة والاستقامة كسلوك وظيفي قبل أن يكون شخصياً، وبين مفهوم «الاستشهاد» الذي يدفعه أبطالنا بكل عزة وكرامة. وهنا، يجب ألا نفصل إجراءات مكافحة الفساد، عما سبقها من إجراءات وقرارات أخرى سبقت في ظرف أسابيع قليلة، سواء ما يتعلق بقيادة المرأة، أو بالمشروعات الاقتصادية وغيرها من علامات التحول الاجتماعي.. ذلك أن السياق واحد، والهدف واحد، وهو ترسيخ دعائم دولة جديدة، وهذا وحده كفيل بزيادة مساحات التفاؤل والثقة.